بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم مستمعينا الكرام، وأهلاً وسهلاً بكم في برنامجكم الاسبوعي من الواقع الذي نقدمه كالمعتاد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. وموضوع حلقتنا لهذا اليوم أعزائي الكرام، سيكون عن أحدى الحالات التي ترافق حياة البعض منا، فتتسبب في بعض المشاكل، سواء داخل الأسرة، أو خارجها، أو مع الاصدقاء أو الأقرباء. هذه الحالة، مستمعينا، هي "التردد في اتخاذ القرار".
أعزاءنا، سنستمع أولاً الى قصة "رياض" وكيف كان ينعكس تردده في اتخاذ القرار عليه وعلى أفراد أسرته. ومن ثم سنحاول أن نسلط الضوء على أهم الحلول المناسبة لهذه الحالة وما هي المقترحات بشأن ذلك، من خلال اللقاء الذي سنجريه مع ضيفي البرنامج.. فكونوا معنا.
أهلاً بكم أحبتي مستمعينا الكرام، قصتنا اليوم ستكون حول صديقنا "رياض" الذي كان دائماً ما يتردد في اتخاذ أي قرار، سواء ما يختصه هو شخصياً أو ما يختص أسرته. فـ "رياض" شاب في مقتبل العمر، يعيش مع أمه وأبيه. تعودت أمه صباح كل يوم أن ترافقه الى باب الدار، لتودعه، ولتذكره في نفس الوقت، وتؤكد عليه تنفيذ بعض الأمور لأنها تعلم جيداً أن ابنها سيتردد في تنفيذ أي من تلك الأشياء، حتى باتت حالته هذه تثير إنزعاجا لدى الآخرين منه، بل وفي بعض الأحيان كانت تثير غضبهم، خاصة الذين يتعاملون معه خارج البيت.
رياض، وكالعادة كان يحاول أن يبرهن للآخرين قدرته على تجاوز حالة عدم الاستقرار في اتخاذ القرار، لكنه للأسف لم يستطع ولا مرة أن يصمد في قراره أبداً، حيث يصيبه الفشل إزاء أبسط الأمور.
قالت له أمه ذات يوم: يا ولدي! حاول أن لا تتأخر هذا المساء، فعليك العودة من عملك مبكراً. لأنك كما تعلم يجب أن نذهب جميعا الى بيت الفتاة التي سنطلب يدها لك هذا اليوم. تمتمَ رياض وقال لوالدته، نعم، نعم يا أمي سأحاول العودة مبكراً. لكن أمه كانت قلقة جداً منه، لأنه دائماً ما كان يضعها في ورطة مع الآخرين.
خرج رياض من البيت، وفكرة الخطوبة لازالت تقلقه، ولا زال لايعرف ماذا يقرر. فهو قد وعد أمه بالعودة مبكراً، كذلك يعلم أن أهل الفتاة سيكونون بانتظار زيارته مع أمه وأبيه. وفي الطريق، رنّ التلفون، فإذا بأحد زبائن المحل يتصل به ليتعرف على ساعة وصوله. ردّ عليه رياض أنه قادم وسوف يبيع كل البضاعة التي تم الاتفاق عليها، ولا حاجة للقلق.
وصل رياض الى محل عمله، ثم تبادل مع الزبون التحية. ولما طالب الزبون رياضا أن يسلمه البضاعة، تردد رياض في ذلك وقال لصاحبه: تمهل.. تمهل يا رجل.. لِمَ العجلة؟ فقط اسمح لي بلحظة واحدة، أتصل بأحد ال]شخاص لأعرف منه سعر البضاعة في السوق لهذا اليوم. وهذا بطبيعة الحال مستمعينا قد أثار غضب الزبون، الذي اضطر أن يصبر، ليرى ما سيقرره رياض.
وبعدما أنهى رياض اتصاله، قال له الزبون: هه، ماذا قررت؟ هل ستبيعني البضاعة أم لا؟ نظر إليه رياض في حيرة، ثم قال لصاحبه الزبون بطريقة متلعثمة: في الحقيقة... لا أعرف ماذا أقول لك، ولكن هل يمكنك أن تأتيني غداً، لأحاول أن أتأكد أكثر من السعر، لأكمل صفقة البيع معك. انفجر الزبون بوجه رياض، قائلاً له: يا أخي، والله لقد تعبت منك، في كل مرة تخدعني، في كل مرة تتردد، لا أريد بضاعتك ولا أريد أن أتعامل معك بعد الآن.
ترك الزبون المحل، وبعده حاول رياض أن يكمل بعض أعماله دون أن يكترث لما جرى للزبون. وفجأة تذكر طلب أمه بأن عليه العودة مبكراً، للذهاب الى بيت الفتاة التي يريد خطبتها. وهنا انتابته حالة التردد في اتخاذ القرار مرة أخرى، فراح يفكر كثيراً في مخرج لكي لايذهب هو وأمه الى بيت الفتاة.
اتصل رياض الى البيت، فرفعت والدته السماعة، وكانت فرحة جداً أن ابنها قد تذكر الموعد، وسوف لن يخلف معها هذه المرة، لكنها لم تكن تعلم بنوايا ابنها، الذي قال لها: أمي، ممكن أن تتصلي بأهل الفتاة وتطلبي منهم ان لانذهب اليوم، بل نذهب يوم الخميس القادم. فإنني منشغل جداً في عملي، خاصة هذا الاسبوع.
وهنا كما تلاحظون مستمعينا الأعزاء، حالة عدم الاستقرار وعدم الثبات عند رياض في اتخاذ أي قرار، هذه الحاله أضرت به مثلما أضرت بالآخرين. فصاحبه الزبون، خرج غضبان بسبب تصرفات رياض، وتردده في عدم بيع البضاعة كما كان متفقا عليه. كذلك الحال ما حصل من إحراج لوالدته التي واجهت مشكلة أخرى بسبب تصرف ابنها، وهي تردده في اللحظة الأخيرة بشأن الذهاب الى بيت الفتاة.
لمعرفه ابعاد الحاله التي يعاني منها رياض ومن يماثله في المجتمع نتوجه الى ضيفنا الكريم، سماحة السيد راضي الحسيني الباحث الاسلامي من قم المقدسة، لسؤاله إن كان هناك نصيحة ينصح بها الدين الاسلامي لامثال شخصية قصتنا، ما يجعله قوياً وصلباً في اتخاذ قراراته، ولكي لايعود بالضرر على نفسه وعلى الآخرين؟ وماذا على إخوانه المسلمين عمله لمساعدة صديقهم المتردد؟
الحسيني: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى اله واصحابه المنتجبين
لاشك ان التردد هو لون من الوان الجبن والانسان لما يتردد في اتخاذ القرارنجد ماهي المبررات التي تدعوه للتردد، ان كان القرار الذي يريد ان يقدم عليه هو طاعة من طاعات الله سبحانه وتعالى فهذا مانص عليه القرآن ان يكون متسارعاً، يسارع في طاعة الله سبحانه وتعالى وان كان القرار الذي يريد ان يتخذه هو معصية من معصية الله سبحانه وتعالى ينبغي ان لايتردد بأن يقطع بالامر ويقلع عن المعصية وعن الذنب ويسرع الى التوبة والى الانابة الى الله سبحانه وتعالى وان كان الامر الذي يريد ان يتخذه ويقرره هو مباح من المباحات الاخرى فعملية التردد هو تأخير للتقدم وازاحة فرصة من الفرص التي فسحت له والامام امير المؤمنين سلام الله عليه يقول "انتهزوا الفرص فأنها تمر عليكم كما تمر السحاب" هذه الفرص التي تأتي للانسان ربما لاتتكرر الفرصة مرة اخرى فلذا يحتاج الانسان ان يكون في حياته حازماً في اتخاذ القرار طبعاً بعد ان يشاور العقلاء ويدرس الموضوع ينبغي ان يكون حازماً ومقدماً على اتخاذ القرار. كما ورد عن الامام امير المؤمنين في غرر الحكم "احزم الناس رأياً من انجز وعده ولم يؤخر عمل يومه الى غده" عملية التردد تؤدي بالانسان ان يؤخر عمله الى يوم غد ويوم غد الى يوم بعد غد وهكذا وهذه تؤدي بالنتيجة الى تأخير فرص التقدم والانسان المتردد في اتخاذ القرار يعيش حالة التلكأ في المجتمع ويعيش حالة الجبن لذا على الانسان ان يكون حازماً ومقداماً في اتخاذ القرار. عملية التردد في الواقع تفوت على الانسان الكثير من الفرص ويتقدمه الاخرون ويبقى هو متأخراً اذن الاسلام حينما يحث الانسان على العمل، الله سبحانه وتعالى في القرآن يقول " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" (سورة التوبة الاية ۱۰٥) اذن لابد للانسان من ان يستفيد من هذه البرهة الزمنية للاقدام بأتخاذ القرارات وان يقدم الاعمال التي ترضي الله سبحانه وتعالى ولايتردد في اتخاذ القرار، اي نوع من انواع القرارات التي يريد ان يتخذها سواء كان قراراً دنيوياً او كان قراراً يخص امور الاخرة لابد ان يكون حازماً ومقداماً ومسارعاً. الامام الصادق سلام الله عليه يقول "من تساوى يوماه فهو مغبون" اذن المتلكأ والمتردد يعيش حالة الغبن الدائم، لماذا؟ لأنه لم يتخذ قراراً ليحسم اموره ولكي يواصل عمله، يبقى متردداً من دون اقدام، حالة احجام، حالة انكماش، حالة تقهقر الى الوراء فعملية التردد تؤدي بالانسان الى الانحسار عن المجتمع لذا الاسلام يحث ابناءه ويحث معتنقيه الى الحزم في اتخاذ القرار ونبذ التردد واجتناب التردد لأن عملية التردد تؤدي بالانسان الى الخسران والذي يخسر في الواقع يكون من النادمين فعلينا ان نكون مبادرين في اتخاذ القرارات وطبعاً اؤكد لابد من دراسة الموضوع ومشاورة العقلاء واتخاذ القرار عن وعي كامل دون عملية التردد. وفقكم الله لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحبتي، وبعد أن استمعنا الى سماحة السيد راضي الحسيني من قم المقدسة، نتوجه الآن الى الاستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان، لسؤالها عن الاسباب النفسيه للحالة التي أصابت رياض، وهي عدم استقراره في اتخاذ اي قرار، وعن سبب تراجعه في حسم الأمور في اللحظة الأخيرة، وما سبّبه من إحراج، سواء لوالدته، أو لزميله الزبون وما يمكن أن يقوم به اشخاص مثل رياض للتخلص من مشكلته وما يمكن ان يقوم به الآخرون لمساعدته ؟
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نتحدث عن هذه الحالة او عن غيرها من الحالات التي يكون فيها الخاصية الاساسية للاشخاص هي التردد في اتخاذ القرارات نتحدث عن ارتباط بعدم الثقة بالضات، عدم القدرة بالعقل الذي املكه على ان يصل الى القرار الانسب والاسلم. هذه يعني تقدير الذات والنفس هذا امر ننشأ عليه او قد يكون في ذاتنا من خلال التربية وخلال المسيرة التربوية التي نكون قد تربينا عليها لذلك من المهم جداً القاعدة الاساسية التي نستند عليها هي البحث عن مكامن الضعف في هذه الذات، لماذا لااثق بنفسي؟ لماذا لااثق بقدراتي وبذاتي؟ هذا اولاً، الامر الاخر هو التدريب على اتخاذ القرار لأن من بعد الثقة بالنفس هناك مهارة يجب ان نتدرب عليها وهي اي قرار اريد ان اصل اليه في اي موضوع من الموضوعات هناك معطيات مرتبطة بهذا الموضوع، معطيات موضوعية خارجة عن الذات، خارجة عن الانطباعات، خارجة عن الاخرين هذه المعطيات كيف نصل اليها؟ كيف نرصدها؟ كيف نقيمها ونصنفها؟ وبالتالي تمكننا من اتخاذ القرار لذا من المهم جداً على الاشخاص المحيطين بهذا الشخص فعلاً ان يحاولوا ان يدلوه على ان المسئلة الاساسية مرتبطة بالثقة بالذات لذا عليه ان يواجه ذاته، لماذا هو لايثق بها؟ الامر الاخر هوان لايستند الى اراء الاخرين فيما يريده في تفاصيل حياته لأننا قد نجد هذا الشخص الذي عنده تردد في اتخاذ القرار يعتمد في كثير من مفاصل حياته على رأي وانطباع الاخرين وبالتالي وكأنهم الاخرون هم من يسيرون حياته لذلك من المهم جداً ان يحاول التخلص شيئاً فشيئاً من هذا الامر وسيجد نفسه في انه اصبح على طريق الثقة بذاته وبالتالي طريق القدرة على اتخاذ القرار.
في ختام حلقة اليوم، نشكر لكم مستمعينا الكرام، على حسن المتابعة والاستماع الى برنامج «من الواقع» الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، كما نشكر ضيفينا الكريمين، على حسن المشاركة، على أمل أن نلتقيكم في حلقات أخرى قادمة، الى ذلك الحين نستودعكم الله والى اللقاء.