بسم الله الرحمن الرحيم
أهلاً وسهلاً بكم أحبتي مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، حيث نلتقي وإياكم في برنامجكم الأسبوعي «من الواقع»، الذي نحاول من خلاله معالجة بعض الحالات السلبية في المجتمع، والتي تؤثر بشكل أو بآخر على طبيعة العلاقات بين الأفراد، وعواقبها التي ستكون بالتالي وخيمة وغير مرضية.
موضوع حلقة اليوم أعزاءنا المستمعين، سيكون عن(الطمع) الذي وكما تعرفون، قد حذر منه الاسلام ونهاه، لأنه يدفع بالانسان إلى ممارسة أعمال جشعة وملتوية ممكن أن تؤدي به إلى التهلكة. كذلك فالطمع ربما يؤدي إلى الغش والكذب والاحتيال والربا.. وهذه كلها من الأفعال التي حرمها الاسلام. وإليكم مستمعينا قصة صاحبنا (ابى جواد) الذي كان يملك دكاناً صغيراً وسط الحي الذي يعيش فيه. وكما عوّدناكم، مستمعينا الأعزاء، بعد استماع قصة اليوم سنستضيف أحد علماء الدين وأحد الخبراء الإجتماعيين أو التربويين أو النفسانيين للإجابة على بعض الإسئلة حول موضوع حلقة هذا اليوم. اذن لنستمع الى قصه اليوم بعد الفاصل الموسيقي.
أحبتي المستمعين، أبو جواد، كان يمتلك دكاناً صغيراً، وقد رزقه الله منه برزق وفير، فزاد ماله وزادت شهرته، واستمر على هذا الحال. فمرت الأيام حتى اضطر إلى أن يبيع دكانه الصغير ذاك، ويشتري عوضاً عنه دكاناً أكبر. وأخذ ربحه في هذه المرة يزداد ويزداد حتى أجبر مرة ثانية على شراء دكان أكبر بكثير.
وراح أبو جواد بعد أن وجد نفسه قادر على منافسة الآخرين، يشتري كل البضاعة التي تصل الأسواق، ولم يفسح المجال لأصحاب المحلات الأخرى بأن يشتروا أي كمية من تلك البضاعة. والسبب أعزاءنا المستمعين، أنه كان يشتري من بائعي الجملة، بضاعتهم، بأسعار مغرية، لايتمكن منها بقية المشترين، أي أصحاب المحلات الأخرى في السوق.
بعد أن أصبح أبو جواد تاجرا كبيرا من تجار السوق، ومنافس قوي، لايقوى على منافسته أي تاجر آخر، أصبح يتحكم بالأسعار ويبيع مثلما يحلو له، لما وجد في ذلك ربح وفير وسريع، أدى إلى مضاعفة أمواله بشكل لم يكن يتوقعه أبداً.
لكن هذه الحالة قد أضرت كثيراً بباقي التجار وأصحاب المحلات الصغيرة. لذلك حاولوا أن يذهبوا إليه عدة مرات، يتوسلون به أن يرأف بحالهم ويفسح لهم قليلاً من المجال للعمل وتحقيق بعض الأرباح. لكنه كان يرفض أن ينصاع إلى طلباتهم.
وهنا، اضطر أصحاب المحلات، إلى غلق محلاتهم، بسبب ما تعرضوا له من خسائر كثيرة، لم يرق على أثرها قلب صاحبهم أبي جواد أبداً، حيث لم يغير من أسلوبه وطريقته في البيع التي أضرت بهم وأفشلت تجارتهم.
ولكن، مستمعينا الكرام، الله سبحانه وتعالى كان له بالمرصاد، فعين الحق لاتنام، ولن تقبل إلا بإحقاق الحق ونشر العدل والمساواة. فكان أن بادرت الجهات التجارية الرسمية في البلد بإنشاء أسواق كبيرة وضخمة، للبيع بأسعار زهيدة ومناسبة، كسبت أنظار كل المشترين وثقتهم. وصارت هذه الاسواق مركزا تجاريا مهما، فأصبح أبو جواد يعاني من عدم توافد المشترين إلى أسواقه كالسابق، ما أضر هذا الأمر ببضاعته كثيراً وجعله يتوسل بالناس ليشتروا حتى بطريقة البيع بالآجل. لكنهم كانوا يفضلون بضاعة تلك الاسواق العائدة للدولة. ولذلك فقد مني أبو جواد بخسائر تلو الخسائر، حتى اضطر شيئاً فشيئاً الى بيع محلاته العديدة والاكتفاء بمحل واحد صغير كما كان عليه في الماضي.
اعزاءنا المستمعين، هذا التراجع الكبير في تجارة ابي جواد و الخسائر الجسيمة التي منى بها، جعلته يشعر بخيبة امل كبيرة و شعور باحباط لايوصف. فلا هو قادر على تحمل الصدمة و تجاوز محنه الخسارة المالية و لابقادر على حل المشكلة و اللجوء الى طريقة اخرى لتعويض خسائره، خصوصا وانه فقد الكثير ليس من امواله بل حتى فقد علاقاته مع اصدقائه والقريبين منه، ما جعله في عزلة واضحة اضرت به كثيرا، نتيجة افعاله السابقة والتي سادها الطمع والجشع... فهل يمكن ان يجد ابو جواد حلاً لنفسه؟ أو يمكن أن يجد من يساعده في ذلك؟
أحبتي المستمعين، وبعد أن استمعنا الى قصة أبي جواد نتوجه وإياكم الى ضيف البرنامج، سماحة الشيخ حسن التريكي البحث الاسلامي من لندن لسؤاله عما جاء في القرآن الكريم عن الطمع، وما هي عواقبه.. فلنستمع معاً.
التريكي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد واله الطاهرين
طبعاً موضوع الطمع تعرضت له العديد من الايات في القرآن الكريم لعل من اهم الايات التي تعرضت لموضوع الطمع ماجاء في سورة الفجر "وتحبون المال حباً جماً" هذه حقيقة تكشف عن نفس الانسان التي خلقها الله سبحانه وتعالى والهمها الفجور والتقوى بحيث ان هذه الناس لديها قابلية الفجور والتقوى ومن ضمن عناصر الفجور في النفس الانسانية النزوع الى حالة الطمع وهي محاولة الاستحواذ على كل الملذات بشتى الوسائل وبشتى الطرق وهي مرض من الامراض الروحية والاخلاقية التي تصيب الانسان فينزع الى هذه الحالة وقد ذمها القرآن في النفس الانسانية وحذر من عواقبها ولهذا المرض اثار كثيرة قد تحصل للانسان الذي يعيش هذه الحالة، حالة الطمع والعياذ بالله. لعل من اهم هذه الاثار هي تعاسة الانسان في الحياة الدنيا بحيث لايشعر بالسعادة ولايشعر بالاطمئنان والاستقرار ودائماً يعيش حالة من الهم والحزن والتحسر على مايفونه لأنه يرغب بالاستحواذ على كل شيء وبشتى الوسائل لذلك هو دائماً مهموم ومغموم ويعيش في حسرة على مايفوته من ملذات الدنيا هذا امر من عواقب الطمع وكذلك من عواقب الطمع حالة الانعزالية التي يعيشها الانسان لأن الانسان الطماع انسان مذموم وغير مرغوب في المجتمع وترى الناس يبتعدون عنه ويبغضونه وهو كذلك يبغض الناس لأنه يحسد الناس على مافي ايديهم ومااعطاهم الله سبحانه وتعالى ولكن اخطر عواقب الطمع هي ما ينتهي بالانسان الى حالة الكفر بالله والعياذ بالله لأنه هذا الانسان عندما يعيش حالة الطمع انه يسيء الظن بالله سبحانه وتعالى الذي يقسم الارزاق على عباده بحكمته وبعدله سبحانه وتعالى لأنه كما ورد في حديث قدسي الله سبحانه وتعالى يقول "ان من عبادي من لايصلحه الا الغنى وان افقرته كفر وان من عبادي من لايصلحه الا الفقر وان اغنيته بطر" فالله سبحانه وتعالى يقسم الارزاق بين عباده وفق علمه وحكمته وعدله لذلك هذا الانسان الطماع عندما يحاول ان يستحوذ على شيء لم يقسمه الله سبحانه وتعالى اليه فأنه يسيء الظن بالله سبحانه وتعالى واساءة الظن بالله سبحانه وتعالى تؤدي الى الكفر وفي نهاية المطاف وبالاضافة الى تعاسة الدنيا تؤدي كذلك الى التعاسة والشقاء في الاخرة ولهذا حذر الله سبحانه وتعالى من هذه الحالة وكذلك حذر النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم وحذر الائمة الاطهار من حالة الطمع التي يصاب بها بعض الناس ولهذا يقول امير المؤمنين عليه السلام "ان الطماع في وثاق الذل" الانسان الطماع يضع نفسه في وثاق ذل ويعيش حالة من الذل طوال حياته بسبب هذا الطمع وللعلاج من هذه الحالة هناك وسائل كثيرة ولعل من اهم هذه الوسائل هي القناعة، تربية النفس على القناعة بدءاً من الطفولة، ان نربي ابناءنا على القناعة والرضى بما قسم الله سبحانه وتعالى فالقناعة كما ورد في الاحاديث والحكم "القناعة كنز لايفنى" الذي يحصل على القناعة فهو يحصل على هذا الكنز الذي يجعله يستغني عما في ايدي الناس ويرضى بما قسم الله سبحانه وتعالى له وبهذا نعالج انفسنا من هذا المرض الخطير الذي يصيب بعض الناس والذي يسبب الشقاء كما قلت في الدنيا والاخرة. وبعد أن استمعنا الى ما قاله سماحة الشيخ حسن التريكي عن الطمع وعواقبه، نتوجه الآن الى الأستاذ جعفر العيد الباحث الاجتماعي من السعودية لسؤاله عن أسباب الطمع، وكيف ينشأ عند الانسان، وما هي تداعياته ونتائجه السلبية عليه وعلى الآخرين.
العيد: الطمع هو حالة نفسية لدى الفرد تؤدي الى عدم اكتفاء الفرد بحصته بل الرغبة في الاستحواذ على حصص الاخرين او ان يكون نصيبه اكثر من الاخرين وفي الامور التجارية عادة مهما يكتفي الفرد بربح معقول انما يسعى الى استغلال الطرف الاخر ان كان مشتري او متعامل ويمكن ان يسمى الطمع بأنه نوع من الانانية وحب الذات. العلوم الاجتماعية لن تحدد اسباباً معينة لكن حددت اسباباً مساعدة في تكوين هذه النفسية وهي عادة ما ترجع الى السنوات السبع، دعني اقول بين قوسين قد يكون هناك شيئاً من الوراثة وليس لنا دخلاً في هذا الموضوع ولايمكن ان نحكم عليه يقيناً لأن الامور بيد الله سبحانه وتعالى، كيف يصبح طفلاً مولوداً وهو ذا نفسية طماعة ليس ليدخلاً في هذا لكن هناك نماذج تولد وفيها هذا الموضوع لكن نتحدث عن الاشياء المادية التي يمكن ان تنشأ بالتعلم. دعني اقول ان طريقة تربية الاسرة لهذا الفرد تعطينا الكثير في نمو هذه الشخصية. يقول علم النفس الاجتماعي ان واحدة من الاساليب في التنشئة الاجتماعية في الطفل هي فكرة الدلال وتوفير كل مايطلبه الطفل بلا استثناء وعدم القدرة على قول لا لهذا الطفل تؤدي الى تنشئة هذا الطفل تنشئة انانية وطماعة وعادة ما تكون تحب ذاتها اكثر من الشيء المعقول اذن دعوني اقول ان هذه الاسباب ترجع الى الصبى وبعد ذلك يمكن ان تساهم تفاصيل الحياة الاجتماعية للفرد في تكريس هذه الحالة او ازالتها، قد ينشأ الفرد بهذه الطريقة ولكن يعيش حياة اجتماعية معينة او يهدد نفسه او يتعلم بطريقة معينة وخصوصاً الاسلام الذي يربي هذه النفس على عدم الانانية وايثار الاخرين اذن يمكن ان يتغير هذا الفرد اما تأثير هذه الشخصية على الفرد وعلى المجتمع فأن على صعيد الشخصية فهذه الشخصية تعيش بمشاعر القلق وعدم الارتياح لأنها دائمة النظر والطمع في مالدى الاخرين وايضاً هذه الشخصية من الانماط التي لاتنظر الى الاشياء بنظرة انسانية وانما تنظر الى الاشيائ بنظرة مادية هذا على صعيد الفرد واما على صعيد المجتمع فأن مثل هذه الشخصيات لايمكن التعويد عليها في المشاريع المجتمعية لأنها تنظر الى مصالحها الشخصية اكثر من مصالح المجتمع ولاتتجرد من مصالحها الشخصية الا بأرادة رب العالمين، هذا مالي والله اعلم.
في ختام حلقة اليوم مستمعينا الأكارم، نشكر لكم حسن الاصغاء الى برنامج (من الواقع) الذي قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. الى حلقات أخرى قادمة، نستودعكم الله والى اللقاء.