مرة أخرى يتجدد لقاءنا معكم إعزاءنا المستمعين، ونحن نواصل تقديم حلقات برنامجكم (من الواقع) الذي يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. وموضوع حلقة اليوم أعزائي المستمعين، سنتناول فيه حالة من الحالات التي تنتاب البعض منا وتسبب له حرجاً أو مشكلة ما مع الآخرين، وهذه الحالة لاتقتصر على كبير أو صغير، ولا على رجل أو إمرأة. ربما تنشأ منذ الصغر فترافق الانسان ولاتفارقه، وهنا طبعاً تكمن المشكلة، أو ربما تتولد في لحظة معينة، نتيجة موقف ما، أو حالة ما، فتزول بعد ذلك ولاتؤثر كثيراً على الانسان، ولاتسبب له إحراجاً يذكر. موضوع حلقتنا مستمعينا الأحبة، سيكون عن الخجل.
لهذا ولكي لانطيل عليكم، فسوف نحدثكم عن قصة الأخت هدى، المعلمة في إحدى المدارس المتوسطة للبنات، والتي تعاني كثيراً من الخجل، سواء مع زميلاتها أو أثناء إعطائها الدروس للطالبات، أو خارج نطاق عملها، أي في حياتها العامة.
وكما عودناكم سنستضيف بعد سماع القصة أحد علماء الدين وأحد الخبراء الاجتماعيين أو التربويين والنفسانيين.
تعودت الأخت هدى على حياتها الخاصة بها نتيجة حالة الخجل التي تلازمها منذ الصغر، فهي مثلاً تفضل أن تخرج مبكراً كل يوم الى المدرسة التي تعمل فيها مشياً على الأقدام، رغم توفر وسائط النقل العامة، بالاضافة الى واسطة النقل الخاصة بالمدرسة. والسبب، هو الحرج الشديد الذي تشعر به أثناء إختلاطها بالآخرين خلال الطريق وحتى الوصول الى المدرسة.
هذه المشكلة كانت تتسبب في وقوعها في بعض المواقف التي تثير السخرية أحياناً مما يزيد من عزلتها ويفاقم من تأزم حالتها. كما تتسبب في وقوعها في إحراجات خاصة أثناء طرح سؤال معين عليها من قبل إحدى زميلاتها أو إحدى طالبات الصف الذي تلقي الدروس فيه. ولما كانت إدارة المدرسة تقرر على سبيل المثال، إقامة حفلة ما، لمناسبة ما، نرى هدى في هذه الحالة لاتحضر حتى لو كلفها ذلك لوم الإدارة لها، أو عتب زميلاتها.
تأزمت حالة الخجل مع هدى كثيراً، حتى وصلت الى حد تذمر الطالبات من طريقتها في شرح المادة المقررة لأغلب الدروس المخصصة لها.
في يوم، ولما دخلت المعلمة هدى الصف، فإذا بالطالبات يقفن ويصفقن لها تصفيقاً حاراً وطويلاً، ثم بدأن بقراءة بعض الأبيات من الشعر. شعرت خلالها هدى بالحرج الشديد، حين علمت أن تلك الأبيات كانت بمناسبة يوم المعلم، وأنها ما كانت تنتبه إلا بفضل الطالبات وتذكيرهن لها. لذلك كان عليها أن تقول شيئاً للطالبات أو على الأقل أن تتقدم بالشكر والثناء لهن. وقد حاولت فعلاً أن تقول شيئاً، لكنها تلعثمت وبان عليها الخجل الشديد والحرج من الموقف الذي مرّ بها، فما كان منها إلا أن تركت قاعة الدرس مسرعة الى غرفة المعلمات لتتناول حقيبتها وتخرج من المدرسة، باكية.
تهافتت الطالبات خارج القاعة لمعرفة ماذا حلّ بمعلمتهنّ هدى، وبطبيعة الحال قد أحدث هذا التهافت بعض الضوضاء، ما أثار انتباه بقية الصفوف، فخرجت بعض المعلمات من القاعات المجاورة لمعرفة السبب، بالاضافة إلى خروج الطالبات الأخريات من بقية الصفوف.
حاولت إدارة المدرسة بعد ذلك، متمثلة بمديرة المدرسة وبعض الزميلات المقربات من المعلمة هدى، معرفة سبب المشكلة التي تعاني منها زميلتهم، ولماذا لاتحاول أن تتغلب عليها؟ وهل بالإمكان تقديم المساعدة لها؟ لكن كل محاولات الأخوات من المديرة والمعلمات الأخريات، باءت بالفشل. وظلت هدى تعاني عقدة الخجل، ما اضطرها أخيراً الى ترك عملها واعتكافها الى حياتها الخاصة، تهرباً من مواجهة حالتها.. التي صارت كمرض مزمن لها.
مستمعينا الأعزاء، بعد أن استمعنا الى قصة الأخت هدى، وتعرفنا كذلك على مدى ما تسببت حالتها من مشاكل لها، كان آخرها تركها المدرسة. استضفنا سماحة الشيخ الدكتور صادق النابلسي/ مدير حوزة الامام الصادق من صيدا في لبنان ليحدثنا عما على المسلم واجب عليه أن يقوم به تجاه أخيه المسلم، وكيف عليه مساندته في هذه الحالات؟ وعلى من نلقي باللائمة نتيجة إصابة الأخت هدى بهذه الحالة؟ هل هي نتيجة سوء تربية الأبوين أم ماذا؟ إذن، لنستمع إلى فضيلة الشيخ معا..
النابلسي: من دون ادنى شك ان مشكلة هدى هي من المشكلات النفسية والاجتماعية المعقدة التي تحتاج الى نظرة واسعة والى مساعدة ومساندة من قبل الاهل بشكل كبير حتى يستطيع الانسان الذي يعاني من هذا المرض الخروج من حالته النفسية ليواجه المجتمع بشكل فاعل وحاضر، نحن نرى الكثير من العوامل النفسية والبيئية التي تساعد في نمو هذا المرض وللاسف الشديد الاهل الذين يستعملون العنف مع اولادهم ويتوجهون اليهم بالكلام النابي يجعلون في نفوسهم بعض الامور التي تسبب الخوف من مواجهة الحياة ومن مواجهة الكثير من المفردات الاجتماعية والعناصر الموجودة في هذه الحياة لذلك نحن عندما نريد ان نعالج مثل هذه المشكلة لابد ان نتوجه الى الاهل بدأ من ان عليهم وظيفة في اعطاء الثقة والدعم الكامل لأطفالهم وتشجيعهم على حرية الكلام وحرية التعبير وعدم تعنيفهم تعنيفاً كلامياً لأن ذلك يسيء اليهم والى ثقتهم بأنفسهم هذا من جانب، من جانب اخر نحن كمجتمع علينا ايضاً ان نساعد هذا المريض الذي يعاني من هذه الحالة على ان نعطيه الكثير من حرية المبادرة، نعطيه الثقة كي يكون انساناً فاعلاً وحاضراً في المجتمع على كافة الاصعدة. يقول امير المؤمنين سلام الله تعالى عليه وهذه مسئلة فردية ونقطة فردية يجب الانسان ايضاً ان يعمل على بناء نفسه والاعتماد على نفسه والدخول في معترك الحياة، يقول عليه السلام "اذا هبت شيئاً فتعطيه" هذا الانسان الذي يعاني من هذا المرض، مرض الخجل عليه ان يندفع ويبادر خصوصاً في الاماكن التي يخاف منها ويشعر انه سيلاقي ردة فعل سلبية عليه ان يتغلب على نفسه وكما يقال "اشد الاعمال احمزها" هذا الامر صعب لكن عليه ان ينطلق ويبادر ويدخل في هذا الامر الصعب الذي يهابه عند ذاك تنحل العقد شيئاً فشيئاً ويستطيع الانسان ان يتغلب على خجله ويصبح انساناً سوياً في هذه الحياة.
وبعد أن استمعنا أعزاءنا الكرام، الى ما قاله سماحة الشيخ الدكتور صادق النابلسي، ننتقل وإياكم الى الاستاذة آيات نور الدين مختصة في علم النفس الاجتماعي من بيروت حيث سألناها عن الأسباب الحقيقية التي تؤدي الى إصابة البعض بحالة الخجل، وما عواقبها وكيف يمكن التغلب عليها؟ وبماذا ينصح الأخت هدى لتتجنب أزمتها. فلنستمع معاً:
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم عندما نتحدث عن حالة الخجل نحن نعرف انها خصلة محمودة ولكن على ان لاتتعدى الحد الذي يؤدي الى اعاقة الحياة اليومية للانسان فمن سمات الخجل مثلاً مسئلة غض البصر، غض السمع عما لايفترض ان يسمع، لاتمشي في الارض مرحاً كل تلك الخصائص التي تحدث عنها القرآن الكريم. في بعض الاحيان يلبس عدم الثقة بالنفس لبوس الخجل وهنا نعبر ان هذا الشخص خجول او هذه الاخت خجولة لكن هي بالفعل مشكلة عدم ثقة مع النفس هذا الامر يحتاج الى توقف لأنه يبدأ الانسان ينحسر شيئاً فشيئاً عن المجتمع الى ان يتقوقع مع ذاته وحدها وهذه الذات فعلاً لايواجه هذه الذات وهذه مشكلة عدم الثقة مع النفس وتبدأ مع ان الانسان لايواجه ذاته، لايعرف نقاط قوتها ويحاول ان يكون فخوراً بها ولايعرف نقاط ضعفها حتى يحاول ان يتخطاها ويعرف ان كل مالديه هو نقاط ضعف لذلك مهم جداً ان نبدأ من نقطة اساسية وهي مواجهة الذات يعني فعلاً ان تواجه هذه الاخت وهذه السيدة تواجه ذاتها وقد لاتكون قادرة على هذا الامر بنفسها وقد تلجأ الى من يعينها في هذا الموضوع لكن من المهم ان نعي هذه النقطة فتعرف ماهي الامور التي تجعلها تخجل من هذه الذات؟ ماهي الامور التي تجعل مسئلة المواجهة مع المجتمع في اي دائرة من الدوائر الضيقة او الدوائر العامة تخجل من ان يعرفون عنها من ان تقدمها اليهم، كما نتحدث عن مسئلة مادية يعني مسئلة اذا كان هناك ثوب لايعجبني فأنا اضعه بمنئى عن ان يراه احد هذا الامر عينه بالنسبة للخصائص النفسية والشخصية للانسان لذلك المواجهة هي امر مهم جداً، ثانياً ان يكون الانسان قادراً على ان يعطي هذه الذات حقها ويرى التقاط المضيئة فيها ولايرى فقط النقاط السلبية. كل انسان منا في هذه الحياة يمتلك نقاط سلبية لكن ان لايعتبر هذه النقاط السلبية تقتصر على هذه الذات هناك نقاط قوة يجب ان يفتخر بها، ان يعززها، ان يقدرها لدى شخصه وان يكون فخوراً بها امام نفسه وامام الاخرين وهناك نقاط سلبية يقوم على وعيها وبالدرجة الاولى على دراسة اسبابها، على الاحاطة بها لكي لاتتفاقم ولكي لاتصبح طاغية على شخصه امام الاخرين.
مستمعينا الكرام، وفي ختام حلقة اليوم، نتمنى أن تكونوا قد قضيتم وقتاً ممتعاً معنا، على أمل أن نلتقيكم في حلقات أخرى قادمة من برنامج (من الواقع) الذي نقدمه لكم كالمعتاد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. نستودعكم الله والى اللقاء.