أعزاءنا المستمعين السلام عليكم وأهلاً وسهلاً بكم في برنامج (من الواقع)، الذي نقدمه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. وموضوع حلقة اليوم أعزائي سيكون حول ظاهرة من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تصيب أحد الطرفين، فتجعل الطرف الآخر في حالة إحباط وأزمة نفسية تكون حادة بعض الأحيان، فتؤثر كثيراً على علاقتهما، مما يؤدي إلى أن ينفصلا إما بعتاب وشجار أو يترك الطرف المقابل صاحبه الذي خانه أو غدر به. هذه الظاهرة هي ظاهرة (نكران الجميل).
فلنكن معاً ونستمع لقصة اليوم ومن ثم نستضيف أحد علماء الدين وأحد الخبراء النفسانيين أو الإجتماعيين أو التربويين، ليكونوا معنا وليساهموا في الإجابة عن بعض الأسئلة لمن يعاني من هذه المشكلة. إذن لنستمع قصة اليوم بعد هذا الفاصل.
فؤاد طالب جامعي مجتهد وزميلته هالة كانت كذلك. كانت حالة فؤاد المادية متوسطة بينما هالة حالتها المادية فقيرة. رغم ذلك حاولا أن يتغلبا على أزمتهما المادية بأواصر المحبة والتعاون والانسجام بينهما.
وفي يوم كان يبحث فؤاد عن هالة بين الحاضرين في قاعة الدرس في الجامعة، فلم يجدها. سأل عنها، فقالوا لم تأت اليوم ولم يشاهدها أحد. فحاول أن يذهب الى بيتها بعدما انتهت المحاضرات في الجامعة ليطمئن عليها، وليعرف ماذا حلّ بها. فعلاً لما وصل طرق الباب، فتحت هالة الباب له وعلامات الحزن واضحة على وجهها. أصابه القلق وشعر بالخوف. سألها مباشرة: ماذا بك؟ ماذا حصل؟ أجابته بنبرة حزينة: أمي مريضة. خفف عنها وقال لها: لماذا لم تذهبوا بها الى الطبيب؟ أجابته قائلة: وكيف وأنت تعرف ظروفنا. انزعج فؤاد وطلب منها أن تهيأ أمها للذهاب الى الطبيب المختص. رفضت بادئ الأمر خجلاً منه، لكنه أصر على طلبه وقال إذا أنا لم أذهب بأمك الى الطبيب، فما هو دوري وماهو موقفي بنظرك سيكون؟ فرحت هالة بقول فؤاد، ودخلت الى أمها مسرعة لتهيئها قبل عودة فؤاد بسيارة الأجرة. وبعد العودة من الطبيب كانت الإبتسامة مرسومة على وجه هالة، حين تأكدت أن أمها سوف تشفى. وشكرت فؤادا كثيراً ودعته بعد أسبوع لتناول الغداء في البيت. ولما علم فؤاد أن الدعوة مخصصة من قبل أمها أيضاً، قبل الدعوة وذهب. وهكذا كانت العلاقة تزداد متانة يوماً بعد يوم. حتى شاع خبر نيتهما لإعلان الزواج بعد التخرج بين كل الطلبة، وحتى في الحي الذي تسكنه هالة.
ومضت الأيام، حتى أوشكت أيام الدراسة أن تنتهي مراحلها النهائية. وجاء فؤاد في يوم ليعلن لهالة عن نيته أن يأتي وأهله الى بيت أهلها لطلب يدها. وافقت هالة وقالت له: سيكون يوم الأربعاء موعدنا، لأنني أحب هذا اليوم كثيراً. وكعادته لم يرفض لها فؤاد طلباً. فهو الآخر وافق أيضاً، وأصبح ينتظر مجئ يوم الاربعاء بفارغ الصبر. وليلة الثلاثاء اتصل بها ليسأل كعادته عنها.
ولكن... ولكن لم تجبه بصورة مطمئنة. فسألها : هالة ما بك؟ هل هناك شيء؟ لاأرى عندك رغبة في الكلام، رغم أن غداً سيكون يوماً تاريخياً بيننا. أجابته بكل برود أعصاب: أي يوم تاريخي تتحدث عنه؟ اندهش فؤاد وقال لها: ماذا تقولين؟ غداً سآتي أنا وأخواتي وبنت عمي، لنطلب يدك. قالت له: وماذا يعني، هل تظن أن هذا سيفرحني؟ تعجب فؤاد من ردها، وقال لها: لاأفهم قصدك. ألا يعني طلب زواجي بك شيء مفرح؟ قالت: لا. لاأشعر بفرح يملأ قلبي أبداً.
أصابت فؤادا نوبة غضب، وقال: ماذا تعنين بكلامك هذا؟ قالت: لاتأتي غداً أريد تأجيل الموضوع.
- تأجيل الموضوع؟ ماذا تقولين. وماذا سأقول لأخواتي. هالة ترفضني ! وما السبب؟
- قالت: لاتزعجني أكثر أرجوك. فأنا في داخلي منزعجة من حياتي. ولكن أنا وأنت متفقان على الزواج.. قلت لك: لاتزعجني أكثر.
ثم أغلقت السماعة بوجهه. فكان ذلك كالصاعقة على رأسه. لايعرف كيف يتصرف. لأنه لم يصدق ما يسمعه. هل كانت هي هالة ذاتها؟ هل كانت تمزح معه؟ سأل نفسه، هل آذيتها في كلمة يوم أمس؟ هل قصرت معها طيلة السنوات التي كنا معاً؟ لماذا في اللحظة الأخيرة تقرر التأجيل؟ هل هناك شخص آخر؟
في صباح اليوم التالي، استيقظ فؤاد وهو يشعر بأوجاع في رأسه بسبب ما حصل له أمس. استذكر كلام هالة كلمة كلمة، عادت إليه الدهشة. لم يكن ليصدق ما سمعه منها. قال في نفسه: سأعود لأتصل بها من جديد، فربما كانت في حالة نفسية متعبة لسبب ما. اتصل بها، فلم ترفع السماعة، كرر الاتصال بها، لم ترفع أيضاً. زاد قلقه وبدأ يشعر بالخوف من أن شيئاً قد حصل. فقرر أن يتصل بأختها. وبعد عدة محاولات، ردت أختها بهدوء عليه قائلة له: أرجوك يا سيد فؤاد لاتتصل بي فأنا منشغلة. ولكن عندي لك رسالة سأقولها وحاول أن تدرك الموقف. تسمر فؤاد على حاله لايعرف ماذا يقول، وكأنه توقع ما سيسمعه.
- تفضلي ماذا تريدين قوله؟
قالت له: إن هالة لاتريد الزواج بك. لأسباب أنت تعرفها. اولا أمورك المالية ليست جيدة. ثانيا أن هالة حققت نجاحاً جيداً في الجامعة وسوف تشق طريقها دون الحاجة الى شخص آخر لتعتمد عليه بعد ذلك.
تساءل فؤاد مع نفسه وهو لايصدّق ما يسمعه: هل فعلاً سنترك بعضنا وأنا الذي كنت بمثابة كل شيء بالنسبة لها؟ لاأصدق. لا بل أنه شيء غير معقول. لماذا بعد كل هذه السنين وبعدما اجتازت هالة كل العقبات وباتت على أعتاب النجاح تريد أن تتركني؟ لماذا غدرت بي؟ أريد أن أعرف الاسباب.. ولكن لم يحصل فؤاد على الأسباب. وتركته هالة وتزوجت، وهو أصيب بصدمة نفسية كبيرة جراء فعلة هالة.
أعزاءنا المستمعين، المواقف الكثيرة والعديدة التي وقفها فؤاد مع هالة ماديا ومعنويا، وعلاقته القوية معها. كلها لم تشفع له أن يتوج ذلك بالزواج معها. والسبب هو أن هالة كانت ناكرة للجميل. تنكرت لكل مواقف فؤاد الايجابية معها. تنكرت لكل الوعود التي قطعتها معه حين إكمال دراستها. ولكن هذه الوعود أصبحت مهملة بعد أول خطوة نجاح حققتها هالة.
لازلنا معكم توجهنا بمشكلة صديقنا السيد فؤاد الى سماحة الشيخ حسن كشميري الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة وسألناه هل نكران الجميل صفة يرتضيها ديننا الاسلامي؟ وما هي الآثار المستتبعة للغدر أو عدم الوفاء بالعهد في ما اذا ساد في علاقتنا الاجتماعية؟ فأجاب مشكورا :
الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
طبعاً السؤال يأتي في باب مسئلة نعوذ بالله الغدر او نكران الجميل او نكران النعمة، سبحان الله هذه من صفات اعداء الله، من صفات المنحرفين عن تعاليم الله سبحانه وتعالى. نحن لما نمر بملفات اهل البيت وتراجم اهل البيت نرى اخلاق اهل البيت سلوك اهل البيت كله وفاء وكله شمم وكله احسان حتى لمن عاداهم ولكل من اذاهم ومااكثر الشواهد على ذلك وبالعكس اعداء اهل البيت لاحظنا انه اكثر ما تتميز حياتهم وسلوكياتهم في هذه الحالة وهي قضية الغدر ولعل هذا انسحب عليهم من اليهود لأن اول غدرة كانت مؤلمة ومؤثرة مع النبي صلى الله عليه واله حينما غدر يهود بنو قريظة بعد ان كانوا قد شملهم عطف النبي ولطف النبي وعمل النبي معهم معاهدة ومعاهدة دقيقة ومتينة ولكن ما ان تغيرت الحسابات قليلاً واذا بهم غدروا بها وسحقوها ومتى ما تترك الحمير نعيقها والحيوانات الاخرى فراخها يترك اليهود واتباعهم قضية الغدر والخيانة. بطبيعة الحال تعاليم اهل البيت هي تعاليم تأمرنا عندما نصنع معروفاً علينا ان لانصنع المعروف لناكر الجميل وللغادر، الحديث النبوي يقول "اربعة تذهب ضياعاً مطر في ارض صخبة وضياء يسرج في الشمس وطعام يقدم لشبعان ومعروف يصنع لغير اهله" لذلك الادباء يقولون: "ومن يصنع المعروف مع غير اهله يلاقي كما لاقى مجير من عامر" وكم وكم نشاهد نحن في الامم الغابرة والايام المعاصرة من مواقف واحداث تشتمل عليه بعض الذوات من مرض وعقد خصوصاً في مجال انكار النعمة وانكار الجميل، الانسان المؤمن الكامل المثقف الذي عنده كرامة يهتم بهذه الحالة اهتماماً كبيراً فأذا ما صنع له احد احساناً يبقى دائماً يشعر انه مدين، يحاول ان يرد الاضعاف من باب قوله سبحانه وتعالى "واذا حييتم بتحية فحييوا بأحسن منها او ردوها" الاثار المترتبة على نكران النعمة وعلى انكار الجميل هي اثار سيئة تؤدي الى تحويل المجتمع الى جحيم، الى غابة وحوش وبالتالي هذا الوضع ينتهي بالانسان الى حالة مسخ والعياذ بالله ويصبح الانسان مصداقاً لهذه الاية "اولئك كالانعام بل هم اضل سبيلاً" لأن بعض الانعام عندها من الوفاء يعني هناك الفرس لها وفاء، بعض المخلوقات الاخرى لها وفاء وعندنا بعض المخلوقات غادرة. نعوذ بالله اذا المجتمع تفشت فيه هذه الحالات، حالة عدم احترام الاحسان، عدم احترام الجميل، عدم تقدير النعمة يتحول المجتمع شيئاً فشيئاً الى مجتمع مثالي وكامل وجميل لكن والعياذ بالله تفشت حالة نكران الجميل معناه اننا نسلك طريق الفشل والانتكاسة وبالتالي نستحق لعنة التاريخ ولعنة الله.
وبعد أن استمعنا الى سماحة الشيخ حسن كشميري وما قاله بشأن مشكلة فؤاد. نتوجه الآن أحبتي المستمعين الى ضيفة البرنامج الدكتورة اميرة برغل الناشطة الاجتماعية من بيروت حيث سألناها عن السبب وراء أن يكون الانسان ناكر للجميل، وما هي انعكاسات ذلك على العلاقات الإجتماعية بينه وبين المجتمع. وكيف يمكن أن ننصح الناس بأن لايكونوا ناكرين للجميل؟
برغل: بالنسبة لنكران الجميل، نكران الجميل هي صفة سيئة جداً لأن في الاساس النفوس مفطورة على شكر المنعم واي انسان عنده سجية سليمة لابد ان يكافئ الجميل بالجميل ولكن مايجب ان ننتبه اليه بأن سلوك نكران الجميل لايدل دائماً على انه من قام بهذا السلوك هو منكر للجميل او انه يتصف بهذه الصفة السيئة وهي التنكر للجميل لأن السلوك هو نتيجة وليس سبب، سلوك الانسان هو النتيجة التلقائية لما يحمل من افكار ولما يحمل من مشاعر لذلك نكران الجميل عند هذه السيدة علينا ان نسأل اولاً هل اعتبرت هذه السيدة ان ماقدمه لها هو جميلاً بالاصل لأن الكثير منا قد يقدم شيئاً للاخرين ويعتبر ان هذا الشيء جميل ويقول هذا الشيء جميل له يعني في اعتقاده لكن هل الطرف الاخر اعتقد ان هذا الشيء هو جميل فعلاً؟ قد يكون الطرف الاخر اصلاً لم يشعر ولم يعتقد ان ما اسدي اليه هو جميل هذا واحد، المسئلة الثانية ايضاً هل اقترن الجميل الذي تقدم من شخص الى الاخر هل اقترن بأذى او بمن، الاية الكريمة تقول "وتبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى" فأذا كان احدنا قدم جميلاً للاخر ولكنه في طريقة تصرفه وفي فلتات لسانه قد من عليه او قد اذاه فالطرف الاخر لايعتبر ان هذا الشيء جميلاً لذلك اصلاً فكرة انه اسدي الي جميلاً لاتكون موجودة وهنا عندما يتصرف الانسان من دون ان يظهر عليه اعتراف ومكافأة للجميل في نظر الناس يتهم انه ناكر للجميل ولكنه هو في نظر نفسه انه اصلاً انا لم اتلقى جميلاً يعني الصفة الانسانية لابد وان تقترن بالحمد وهو شكل من اشكال الشكر فهنا علينا ان نرى عقيدة هذا الشخص والبيئة التي قد تربى فيها يعني من كان لايملك عقيدة سليمة او لايمتلك اي مظومة قيمية ومن كان قد تنشأ وتربى في بيئة تستلذ وتسعد بالاحتيال والمكر ونكران الجميل فهذا يكون جزء من طبيعته وهو يكون شيء للاسف سيء جداً ومثل هذا الشخص اينما حل في المجتمع لن نجد له اصدقاء دائمين قد يغش فيه جيرانه للوهلة الاولى او اقرباءه ولكنهم سرعان ماسينفرون منه وعاقبة هذا الانسان في الدنيا الى السوء وفي الاخرة الى الاسوء.
نشكر الدكتورة اميرة برغل الناشطة الاجتماعية من بيروت علي ما تفضلت به. ونشكركم أعزائي المستمعين لحسن استماعكم والى لقاء آخر في حلقة جديدة من برنامج (من الواقع) نستودعكم الله...