السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحبائي وأعزائي المستمعين ها نحن نلتقي مجددا في يوم جديد وفي لقاء جديد من برنامج (من الواقع)، اليوم ستدور قصتنا حول موضوع طالما تعرض له اي زوجين، خاصة في بداية حياتهما الزوجية، كونوا معنا لنستمع الي قصة اليوم ومن ثم وكما هو في الحلقات السابقة سوف نستضيف أحد علماء الدين وأحد الخبراء الإجتماعيين أو النفسانيين أو التربويين لنحصل على إجابات اسئلة حلقة اليوم... اذن لنكن معاً ونستمع اليوم ومن ثم سنعود مجدداً بعد انتهاء القصة، كونوا معنا...
عماد، رجل في الأربعين من عمره، دأب في حياته وإجتهد كثيراً، وصبر حتى إستطاع أن يكون صاحب محل لبيع الأجهزة الكهربائية، يفتتحه صباحاً ولايعود إلا مساءً. وعند كل عودة إلى البيت الذي يجمعه وأبيه وأمه وإخوته الأربعة، يسأل من أمه إن وجدت له عروس مناسبة أم لا، فيكون الرد: إصبر يا ولدي، فأني أبحث لك.
مرت الأيام، وذات مساء من تلك المساءات التي اعتاد عماد عند عودته الى بيت أبيه، أن يجلس أمام التلفاز، خاصة بعد إنتهائه من تناول طعام العشاء، جاءته أمه وبيدها قدح الشاي، لأنها كانت تعلم أنه يحب شرب الشاي بعد تناول الطعام، وقالت له: تفضل يا ولدي، الشاي الذي تحب. شكَرَها واعتذر منها لأنها جاءته بالشاي وهو جالس يشاهد التلفاز.
انتبه عماد إلى أمه وهي تنظر إليه وكأنها تريد أن تقول شيئا ما.. فسألها: أمي؟ ردت عليه: نعم يا ولدي. قال: أظن أنك تكتمين شيئاً؟ ضحكت الأم وما استطاعت أن تصبر أكثر، فقالت: نعم يا ولدي. فقد وجدت لك الفتاة التي ستعجبك كثيراً. فهي ذات شخصية جيدة ومن عائلة محترمة ومعروفة، وكذلك هي موظفة كما كنت أنت ترغب بذلك.
انفرجت أسارير عماد، وأعاد قدح الشاي الى الطاولة التي بجانبه، ودون أن يسيطر على نفسه، أطلق ابتسامته العريضة وتنازل عن مكانه، واقترب من أمه وقال لها: أتتكلمين بجد يا أمي؟ قالت الام: نعم أتكلم بجد يا ولدي. فلقد وجدت لك الفتاة التي تريد ومثلما تمنيتها. قبّلها من رأسها وقال لها: إذن متى نذهب لنشاهد الفتاة؟ أجابت الام: غداً في الساعة السادسة مساءً.
وفي اليوم التالي، ذهب عماد وأمه وأخته ورأوا الفتاة. وعند العودة الى البيت أبدى عماد إعجابه بعائلة الفتاة وبشخصية الفتاة. وقال لأمه: إنه رغم بعض المواصفات التي ما كانت تناسبني تماماً، إلا أنني موافق أن أتزوج بها.
وفعلاً بعد أقل من عشرة ايام، تم الاتفاق بين العائلتين وبعد عدة زيارات، على إجراء الزواج بين عماد ونوال. ودخل الاثنان عش الزوجية.
بعد شهرين فقط، اندلع أول شجار عنيف بين الزوجين، حيث تعالت صيحات عماد، وبالمقابل تعالت صيحات نوال. صرخ بوجهها قائلاً: إياك أن تعيدي هذا الموضوع مرة أخرى. ويجب أن تعلمي بأنني لست من الرجال الذين يوافقون على العيش في بيت أهل الزوجة، مهما كان الأمر. فبيت أبي لا أتركه، والغرفة التي جمعتنا، سنبقى فيها حتى يفرج الله عنا. وقد تحدثنا بشأن هذا الموضوع قبل الزواج، وكان الاتفاق أن نعمل أنا وأنت حتى نتمكن من استئجار بيت يكفينا. مثلما يفعل بقية المتزوجين.
لكن نوال كانت مصرة على مغادرة ما سمته بالسجن الذي بدأت تشعر بالاختناق منه. اندهش عماد لما سمع من نوال انها تصف الغرفة الجميلة التي تجمعهما بالسجن. وقال لها: إذا كانت هذه الغرفة بمثابة السجن لك فأنت حرة منذ هذه اللحظة أن تذهبي الى بيت أبيك وقتما تشاءين في حال غيابي وانشغالي بالعمل، ولما أعود سوف أتصل بك، أو أنت تتصلين، فكان حلاً جميلاً من عماد دل على تفهمه للموقف.
هدأت نوال قليلاً بهذا الحل لبضعة أيام، لكن شجاراً عنيفاً آخر اندلع بين الاثنين، لما عرف عماد أن نوال بدأت تخرج مع أمها وأخواتها لتتجول في أسواق المدينة أو ترافق أمها الى بيوت الأصدقاء ولاتعود إلا بعد العاشرة ليلاً. يكون عماد في هذا التوقيت قد عاد من عمله وتناول عشاءه وجلس لوحده أمام التلفاز، أو في بعض الاحيان ينزل الى الطابق الارضي ليتحدث مع أبيه قليلاً، والقلق يساوره وهو ينظر الى عقارب الساعة ينتظر عودة نوال. واستمر الحال على ما هو عليه.
وفي إحدى الليالي، تأخرت نوال عن العودة، فاضطر عماد أن يذهب الى بيت والدها ليسأل عنها ويستفسر عن سبب التأخير. ولما وصل وجد والد نوال لوحده في البيت. دعاه الرجل الى الدخول، مرحباً به على طريقة الرجال المسنين. لكن عماد كان متشنجاً فرفض، ولما أصر عمه، والد نوال، على ذلك دخل عماد وهو متوتر.
سأل عماد عمه عن نوال، فأجابه: إنها مع أمها وأخواتها في حفلة عرس لأحد الاصدقاء. قال عماد لكنها ما قالت لي وما طلبت مني الاذن بالخروج الى الحفل، ردّ عليه عمه: يا ولدي، تفكيرك ليس كتفكيرنا نحن القدامى، أنتم جيل اليوم، والعالم يتطور، والمرأة أصبح لها رأيها و استقلاليتها. تصرفاتك هذه كانت تسري على نساء أيام زمان، عندما كانت المرأة لاتخرج إلا وزوجها معها. ولاتجرء على الخروج إلا وتأخذ الاذن من زوجها. اليوم نحن نعيش عصراً جديداً، فلاتحاول أن تكون تقليدياً في تصرفاتك.
انزعج عماد من قول عمه، ورفض أن يستجيب لرأيه في الموضوع وأصر على موقفه بضرورة أن تأخذ الزوجة موافقة زوجها في الكبيرة والصغيرة. وفي هذه الأثناء وصلت نوال وأمها، وتفاجأت بوجود زوجها عماد في هذه الساعة. سلّمت عليه، فلم يرد، لأنه كان عصبي المزاج جداً وسألها بكل عنف وعصبية، وقال لها: هل تعلمين كم الساعة الآن؟ ردّت عليه بكل هدوء: أعلم كم الساعة الآن. لكني لست لوحدي، أنا برفقة أمي وأخواتي، وها أنا عائدة الى بيت أبي. ولاأعتقد أنني كنت في مكان غير مناسب، فالدعوة كانت موجهة لي. أتظن بأنني كنت سأرفضها، وأعود الى ذلك السجن؟
غضب عماد وصرخ بوجهها قائلاً: إذا كانت غرفتنا سجنا لك، فلا تعودي إليها وابقي هنا، وتمتعي مثلما يحلو لك. ثارت ثائرة نوال، وردت عليه: لاتهددني ببعض الكلمات التي حفظتها من أجدادك. قال لها: وما لهم أجدادي؟ قالت: الذي أقصده تقاليد أجدادك ونظرتهم الضيقة تجاه المرأة. قال عماد: تقاليدنا وعاداتنا لم تأت من فراغ، إنها من مبادئ إسلامنا وتعاليمه، والمرأة ناشز لو رفضت أوامر زوجها وراحت تتصرف مثلما يحلو لها. تركها وغادر بيت عمه عائداً الى بيت أبيه، دون أن يترك لها مجالاً للتصرف، ولا حاولت نوال في المقابل أن تلحق به لتداري الموقف.
ولما أصر الزوجان على موقفهما، رغم محاولات الأهل والأقرباء تقريب في وجهات النظر بينهما، إشتد تأزم الموقف أكثر، واستمر ذلك حتى بعث عماد بورقة الطلاق لها، بعد زواج لم يدم الا أشهر قليلة بينهما.
أعزاءنا المستمعين، استمعنا الى قصة اليوم، وعرفنا أن عماد رجل كان يسعى الى بناء أسرة طالما حلم بها، ورغم تقدمه في العمر وبلوغه سن الاربعين، إلا أنه كان حريص على الزواج وتحقيق أمنياته. أما نوال والبالغة من العمر حين اقترانها بعماد سبع وعشرون سنة، أي أن الفارق بينهما كان ثلاث عشرة سنوات فكانت لها افكار وآراء خاصة في حياتها الزوجية ولهذا بدأت المشاكل منذ الايام الأولى من عمر زواجهما.
مستمعينا الاعزاء! استضفنا في حلقة اليوم سماحة الشيخ (جعفر عساف) الاستاذ في الحوزة العلمية من بيروت، وسألناه عن موقف الشرع تجاه سلطة الرجل و قوامته هل هي تتوافق مع ما هو سائد كتقاليد اجتماعية ام ان لهذه القوامة مرونة كافية؟ وهل ما فعلته نوال يعد خرقا لحقوق الزوج؟ وهل ما فعله عماد يؤيده الشرع تماما؟ ... ام ان التقصير يوزع بين الطرفين؟ فاجاب مشكورا:
عساف: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين
بالنسبة الى المشكلة التي عرضتموها واستمعنا اليها والدائرة بين الزوجين، الزوج عماد وزوجته نوال حقيقة بعد ان استمعنا الى هذه المشكلة لفت نظري ان محور المشكلة يدور حول امر واحد فأن المشكلة في اساسها حول طريقة التعاطي بين الزوجين، المشكلة ان الزوج له مشكلة مع زوجته في طريقة تعاطيه معها حسب ما فهمته من المشكلة وايضاً ردة فعل الزوجة على طريقة تصرف الزوج ايضاً كانت غير مناسبة للزوج لذلك استطيع ان اقول ان محور المشكلة هو طريقة التعاطي بينهما وعدم فهم دور كل منهما للاخر حتى يعني ان الزوجة لها دور والزوج لايفهم دورها بشكل سليم وكذلك الزوجة لاتفهم الزوج بشكل سليم وكل من الطرفين لايمارس دوره بشكل مقبول وجيد لذلك من باب النصيحة للزوجين بعد ان استمعنا الى هذه المشكلة ندعوهم الى عدم الاستبداد في التصرف بحق كل منهما لذلك الزوجة تتصرف بطريقة يعني نوع من المكابرة والاتهام باوصاف لاتتناسب من الزوجة للزوج وكذلك الزوج يمارس دوره بطريقة ايضاً سيئة لذلك انا ادعو الزوج الى ان يمارس دوره بعقلانية وتفهم للزوجة وحقيقة هناك امر مهم جداً للزوج الاخ عماد او للزوجة او لغيرهما من الازواج اني ادعو الرجال او الازواج بشكل عام الى انه صحيح ان للزوج سلطة للزوجة وهي القيمومة وانه له حق القيمومة وحق الاشراف على الزوجة وان تكون الزوجة تحت اشرافه وادارته لكني ادعو الازواج ان يمارسوا هذا الدور بطريقة تكون متناسبة ومحببة للزوجات يعني لابد في كل تصرف لأي قائد واي مدير يدير مؤسسته او يدير مؤسسة عائلية او زوجية او يدير مؤسسة اجتماعية لاتأتي السلطة دائماً بطريقة التصرف الاستبدادي او طريقة فرض السلطة، السلطة لاتأتي الا عبر الاقناع لذلك ادعو الزوج ان يمارس سلطته بطريقة تحببه للزوجة لاتنفره وتكرهه بها لأن الزوجة عندما يتصرف بطريقة تحببه للزوجة ويقنعها يستطيع ليس فقط ان يفرض قيمومته على الزوجة بل يستطيه واستطيع ان اقول ان يملك الزوجة بالكامل.
مستمعينا الكرام نشكر سماحة الشيخ (جعفر عساف) علي ما تفضل به ونتوجه أعزاءنا المستمعين بالسؤال الي ضيفنا الباحث الاجتماعي من السعوديه، الاستاذ جعفر العيد حيث سألناه: عن الأسباب التي ادت الى تفاقم الأزمة ما بين الزوجين وإعلان عماد طلاقه من نوال، هل فارق العمر هو العامل الرئيسي ام الافكار والتربية التي نشأ عليها كل منهما في بيت أبيه؟ او هو ناجم عن الصراع بين التقاليد والتجدد كما يري البعض؟ فاجاب مشكورا:
العيد: بالنسبة الى قضية عماد مع نوال هي قضية متكررة في العالم، يحدث الزواج بدون البحث عن المرأة وثقافتها ومالذي ترتضيه ومالذي لاترتضيه وايضاً الزوجة لاتسأل عن الزوج واقتناعاته وايضاً لاتسأل عن قناعاته وكيف يتعامل واين ستعيش فهنا نقول انه زواج ملفق وكثير من زواجاتنا هي زواجات ملفقة بهذه الطريقة ولكن هذا قبل الزواج اما بعد الزواج الله خلق في الانسان القدرة على التكيف واكبر القدرات هي القدرة على التكيف مع الشريك الاخر. هنا لانطالب الانسان بما كان عليه في بيته ومن الواضح ان هناك فروقات بين الزوج والزوجة من حيث الثقافة المنزلية ومن الواضح من طرح المشكلة ان قناعة بيت الزوجة ان الزوجة تستطيع ان تخرج وتأتي دون علم زوجها، دون اذن زوجها وتعتبر ذلك شيئاً قديماً لكن الانسانة اذا جاءت الى بيت الزوجية المفترض ان تتكيف وقد تكون في المرة الاولى لاتعلم لكنها اذا لم تتكيف مع هذا الوضع الجديد فهي اذن متمسكة بالثقافة الام، ايضاً هناك مطالب محقة انه اذا ارادت الزوجة سكناً مستقلاً نحن نفضل في بداية الزواج ان تكون الزوجة في بيت اسرة لكي تتعلم كيف تدير المنزل، كيف تتعامل مع زوجها ولكن هذا لايجب ان يبقى الى طوال العمر، اذا طلبت الزوجة بيتاً مستقلاً عن بيت اهله فهذا مطلب محق ولاينبغي التوقف عنده كثيراً ويمكن توفيره اذا كان هذا حلاً للمشكلة، المشكلة انها تتواصل بين الزوجين وتتفاقم واطلاق الزوجة وفارق العمر هو ايضاً له دور ولكن ليس هو الدور الحاسم وانما الثقافة الموجودة ومن هنا ينبغي ان نتسائل عن مقدرة الزوج على الصبر على الزوجة وعلى اقناعها وعلى غفران الخطأ الذي يكون من عندها. يبدو ان الرجل توصل اخيراً الى انه غير قادر على السير مع هذه الزوجة بهذه الطريقة لكن هناك ازواج اخرين صبروا وصبروا كثيراً ومن المهم ان نقول انه ينبغي للزوج ان يصبر على الزوجة كثيراً وان يفهمها مراراً وتكراراً ومن المفترض ان الزوجة ايضاً تتفهم قناعات زوجها وتمشي على مايريد زوجها في حياته الزوجية اما اذا كان هناك ثمة مفارقة وثمة فرق بين وجهتي النظر يجب ان تكون قبل الزواج وليس بعد الزواج يعني من المفترض ان يكون هناك مصلحين في الوسط ليحلوا هذه المشكلة خاصة في الانفصال الاول بين الزوجين عندما ذهبت الزوجة الى بيت اهلها كان من المفترض ان تحل، واحدة من اهم الملاحظات التي كانت لدى الزوج هو ان هذه الزوجة لاتستأذن في ذهابها، في خروجها فلماذا لم يدخل الوسطاء ويحلوا هذه المشكلة.
في ختام حلقة اليوم نشكر ضيوفنا الكرام سماحة الشيخ (جعفر العساف) من بيروت والاستاذ (جعفر العيد) من السعودية. ونستودعكم الله احبتي، والى لقاء جديد في حلقة جديدة من برنامج من الواقع والى اللقاء.