البث المباشر

الحقد والدسيسة

السبت 16 نوفمبر 2019 - 10:46 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- من الواقع: الحلقة 16

ضيوف البرنامج عبر الهاتف: سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الاسلامي من مدينة قم المقدسة والاستاذة ايات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في موعد جديد أحبتي مع برنامج )من الواقع( تحية يملئها أريج معطر بعطر الياسمين، محور حلقتنا لهذا اليوم هو الحقد والدسيسة وربما نكون تعرضنا يوماً لمثل هذه الامور ... سنكون معاً لنستمع لقصة اليوم ومن ثم نستضيف أحد علماء الدين وأحد الخبراء الاجتماعيين او التربويين او النفسانيين ليكونوا معنا ويساهموا في الاجابة عن بعض الاسئلة التي تمكننا من أن نجد مخرجاً لمثل هذه الحالات... نلتقي مجدداً بعد قليل ان شاء الله.
سعت ساجدة جاهدة في امتحانات الكورس الأول لنيل النجاح المطلوب. فهي لم تأت الى الجامعة الا من أجل النجاح والتفوق ولم يشغل تفكيرها سوى الوصول الى شهادة الماجستير، وكل ما عليها هو بذل قصارى جهدها... فهي ام لطفلين تركتهما في مدينتها مع والديها. فلم يبق لها أحد بعد وفاة زوجها الا والديها ليرعوا ابنائها في غيابها. ولذلك عليها ان تعود وفي يدها شهادة الماجستير. عليها ان تثبت للجميع انها لم تكسر بل قادرة على مواصلة الحياة...
اما نرمين فهي فتاة عانس لم تتزوج وصلت الى ما وصلت اليه بالقدرة. واليوم هي تريد النجاح ولكنها لاتريد التعب. تريد النجاح وبتفوق، وتبحث عنه بأساليب أخرى كالنفاق والركض وراء الاساتذة... ولكن نتيجة الكورس الاول صدمتها واشعلت في قلبها نار حاقدة متأججة فلم تنجح فيه وما زاد الطين بلة ان زميلتها ساجدة نجحت بتفوق... بدءت نار الغيرة تغلي في قلبهاو تكرر: ساجدة حصلت على كل شيء وأنا لم احصل على أي شيء، هي يهتم بها الجميع وانا لايهتم بي احد ما معنى هذا؟ انا لم أعد احتمل.. لم أعد احتمل...
كلما مرت الايام زاد اعجاب الجميع بساجدة و بدء الشعور بالحقد يكبر و يكبر لدى نرمين... حتى بدءت تأخذ الواجبات الجامعيه و الحلول الجاهزة من ساجدة وتسرع في نسخها وكتابتها وتسليمها الى الاساتذة قبل الجميع وقبل ساجدة، مدعية انها هي التي حلت المسائل . و لكن عندما فهمت احدى زميلات ساجدة بما يجري قررت ان تخبر الاساتذة بما يجري وبما يحصل دون علم ساجدة.
ما حصل زاد من حقد نرمين على ساجدة. وصل فيها الامر بان تتمنى موت ساجدة، تحولت كل عقدها الدفينة الى حقد جعلها تعد المكائد الواحدة تلو الأخرى لتخلق المشاكل لساجدة. ذهبت نرمين الى احد الاساتذة صعبي المراس ًوالذين يصعب ارضاءهم، وبدءت بزرع بذور حقدها امامه وبالفعل بدء الاستاذ بسوء المعاملة مع السيدة ساجدة وفي كل مرة كان يصعب عليها الأمور، فكلما قدمت له بحث دراسيا كان يطالبها بما هو افضل وافضل وافضل، عرفت ساجدة ان نرمين وراء هذه المعاملة الجافة.. وقررت ان تتحدث مع رئيس القسم وتخبره بما يجري... سمعها مدير القسم بكل رحابة صدر ولكنه أخبرها انهم لايستطيعون فعل شيء، لأن اساتذة القسم جميعهم يتجنبون المواجهة مع هذا الاستاذ...
محاربة الأستاذ امر شبه مستحيل، ولكنها بهدوءها وذكاءها وطمأنينتها وايمانها بالله جعلت من المستحيل امراً هيناً. فالاستاذ على الرغم من قساوته كان يملك بصيرة خاصة بالطلاب. فهو يستطيع ان يميز المجتهد من الكسول والمشاغب من الملتزم. فبعد معاملته القاسية لساجدة بدء يلين لأنه كشف نرمين على حقيقتها وعرف أن ساجدة، امرأة صالحة مجدة مجتهدة... فرجع عن تلك المعاملة القاسية بل على العكس من ذلك بدء بمناداتها بابنتي الغالية... اصدمت نرمين وتحطمت كل مخططاتها امام عينيها وهي لاتستطيع فعل شيء..
مرت الايام و بعد مقاطعة ساجدة لنرمين انتهزت نرمين فرصة العيد وذهبت الى ساجدة معتذرة نادمة تطلب منها السماح، وتخبرها بانها تحبها كثيراً ولاتدري ما الذي حصل! ولان ساجدة انسانة غير حاقدة وتخاف الله لم يكن أمامها سوى المسامحة... اما بعد ايام عادت نرمين تحيك المؤامرات من جديد. ولكن ساجدة كانت حذرة جداً هذه المرة، وكانت تضع الحدود بينها وبين نرمين، حتى جاء يوم الامتحانات النهائية. فقد حاولت نرمين ان تأخذ من وقت ساجدة لتمنعها من الدراسة، ولكن محاولاتها ايضا باءت بالفشل. وفي آخر المطاف هددت ساجدة نرمين بانها ستضطر لمواجهتها وانها ستطلب من رئيس القسم فتح التحقيق معها... ولكن نرمين هذه المرة لم تستطع اخفاء حقدها وبقيت على حالها... اما ساجدة بقيت حائرة هل تشكوها لرئيس القسم؟ أم تتركها لحقدها يأكلها... فهي لاتريد أن تؤذيها أو تؤذي أي شخص كان.. وفي نفس الوقت لاتريد ان تترك مستقبلها على المحك مع فتاة حقودة يملء قلبها الغيرة والحقد...
نعم أحبتي، من الصعب مواجهة انسان حقود. فهو ككتلة من النار... مستمعينا الاعزاء استضفنا اليوم سماحة السيد عبد السلام زين العابدين الباحث الاسلامي من قم المقدسة، وسألناه : كيف يصف الدين الحاقدين ولماذا يتمكن الحقد من قلوب بعض الناس؟ فاجاب مشكوراً:
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً الحقد والحسد والبغض والكراهية من الاخلاق الذميمة وكل هذا يأتي من الحسد فالحسد يأتي بالاحقاد على الاخرين حينما يتفوقون،

اذ لم ينال حظه فالكل

اعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء ينظرن

لوجهها حسداً انه لذميم


حينما يرى الانسان الاعلى منه والافضل منه فالانسان عليه ان يحارب نفسه حتى لايتحول ذلك الى حقد داخل النفس، ان يحب الاخرين وان يتمنى ان يكون مثلهم ولايسمح للحسد والحقد ان يستجيش في قلبه وهذا امير المؤمنين عليه السلام يقول لمالك الاشتر في وصيته الرائعة في كتابه يقول "اطلق عن الناس عقدة كل حقد واقطع عنهم سبب كل وزر" يعني يقول اطلق عن الناس عقدة كل حقد يعني لاتجعل نفسك حاقداً على الاخرين بحيث ترى عقد الحقد لما ترى انساناً افضل منك او احسن منك فالقرآن الكريم يعلمنا ادباً رائعاً في التعامل مع المؤمنين في المجتمع الايماني وفي المجتمع الاسلامي، هذا الدعاء الرائع الذي يسجله القرآن في سورة الحشر الاية العاشرة "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا" انظروا "وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً" الغل هو الحقد والكراهية والحساسية "وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" علينا دائماً ان نردد هذا الدعاء "ربنا "وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا"" حتى يعيش الانسان الصفاء في التعامل مع الاخرين ولهذا نرى مثلاً اخوة يوسف الصديق حسدوه وتآمروا عليه، الحسد هو يجلب للانسان الكثير من المصائب ويجعل الانسان يقضي ويحاول ان يتخلص من اقرب المقربين اليه وهو الاخ لهذا "اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضاً يخلو لكم وجه ابيكم وستكونوا من بعده قوماً صالحين" يصل الحقد بالانسان الى ثكل اخيه اي يقتل اخاه ولهذا نرى مدى مايسببه الحقد احياناً في القلوب وفي النفوس التي قد تؤدي الى ان يقتل اقرب المقربين اليه.
نشكر سماحة السيد عبد السلام زين العابدين من قم المقدسة على ما تفضل به. كما واستضفنا في حلقة اليوم الاستاذة آيات نور الدين المختصة في علم النفس الاجتماعي من لبنان وسألناها: كيف يمكن للسيدة ساجدة مواجهة الموقف بأقل الخسائر كما يقال؟ وما هي الآثار الجانبية التي يخلّفها حاقد كنرمين في قصتنا لهذا اليوم؟ فاجابت مشكورة:
نور الدين: بسم الله الرحمن الرحيم طبعاً الحالة التي تتحدثون عنها لعلها موجودة في المجتمع بشكل كبير جداً حتى لو كان ابطال القصص تتفاوت ظروفها ومجالاتها ومواقعها في الحياة انما مسئلة الحقد مسئلة موجودة وتأتي بالسلبيات على كلا الطرفين في بعض الاحيان لكن هنا ينبغي لساجدة فعلاً ان تكون مشفقة وان لاتواجه الحقد بالحقد وانه فعلاً كيف يكون الانسان مشفقاً على الانسان الحاقد لأنه يعرف ظروفه ويعرف البيئة التي تربى فيها والتي لم تسمح له ان ينمي طاقاته وهذه البيئة التي حصلت عنده الربط بين نجاح الاخرين وفشله وبالتالي يعتبران كل فشل في الحياة هو مرمي على الاخرين لأنهم نجحوا في الحياة واخذوا نصيبهم وهولم يأخذ نصيبه وبالتالي لم يستطع ان يربط بين الامور واسبابها الحقيقية في معنى الجهد الذي يجب عليه ان يبذله في الحياة والظروف الموضوعية التي تنتج نتائج معينة سواء في النجاح او في الفشل لذلك على ساجدة ان لاتواجه الحقد بالحقد على العكس يجب ان تواجه الحقد بالاشفاق والمحبة قدر الامكان واذا سمح الموضوع ان تتواصل مع اشخاص لهم المرونة مع نرمين بأن يحاولوا التخفيف عليها من بعض احقادها لأن الحقد امر موجع جداً لصاحبه وهنا نأتي الى الشق الاخر من الموضوع وهو نرمين نفسها يعني الاثار التي يولدها الحقد هي اثار كبيرة جداً تتمثل بحسب هذا الحقد في النفس وبحسب هذا التراكم اليومي لهذا الحقد وكذلك الحقد له اثار ذميمة جداً وسيئة جداً وكما يقول الامام علي عليه السلام "اقل الناس راحة الحقود" لأنه دائماً يبحث عما يغذي هذا الحقد، يصبح الحقد كفايروس داخل الجسد يحتاج ان يحتمي بهذا الجسد ويأخذ يومياً جرعات من هذا الحقد ليستمر وبالتالي يدخل الحقود في دوامة لاخروج منها لذلك على الانسان ان يساعد نفسه بالخروج من هذا الامر اولاً وانلم يستطع فعلى المحيطين به والحريصين عليه وعلى دنياه وعلى اخرته ان يحاولوا قدرالامكان ان يوضحوا الصورة لهذا الانسان، ان يحاولوا ان يصلحوا بينه وبين ذاته اولاً لأن الحقود هناك عدم تصالح بينه وبين ذاته في الدرجة الاولى.
نشكر مشاركتكم معنا استاذة آيات نور الدين من لبنان ونستودعكم الله أحبائي المستمعين، والى لقاء آخر من برنامج (من الواقع).

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة