أفدي الحسين مشّرداً تنحو به
نحو العراق مخافة الأعداء
رام الدّعيُّ ابن الدعيّ مذلّةً
منه..فلاذ بعزّةٍ وإبـاءِ
هيهات أن تعطي الدنية نفسه
خوف المنية أو رجاء بقاء
وهو الذي أعراقه ضربت إلى
خير الجدود وأشرف الإباء
فرعٌ تفرّع بين بضعة أحمد
ووصيه من هاشم البطحاء
ومضى بغصّته غريباً نائياً
عن داره بأبي الغريب النائي
متوسّداً وجه الصعيد مجرّدا
يكسى بثوب جلالةٍ وبهاء
تطأ الصواهل جسمه،وعلى القنا
من رأسه المرفوع بدر سماء
قتلته آل أميةٍ فشفت به
غيض النفوس وكامن الشّحناء
ثارات بدرٍ أدركت في كربلا
لبني أمية من بني الزهراء
يا أمّةً باعت بضائع دينها
يوم الطفوف بخيبةٍ وشقاءِ
خانت عهود محمّدٍ في آله
من بعده.. وجزته شرّ جزاء!
إخوتنا الأفاضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إنّ من أولى الواجبات على الأمّة وأولاها أن تعرف، من هو الإمام ؟ وما هي الإمامة ؟ وما هي شروطهما ؟ وفيم تمثلتا ؟ لتقدّم لهما طاعتها، ويكون منها اتّباعها وولايتها. وقد توافدت على الصحابة الأوائل آيات ولاية الأمر، وأحاديث الإمامة والخلافة النبوية الشريفة، واتّضح هذا الموضوع، بل تجلّى في واقعة الغدير العظمى، وكان من المواقع والمواقف ما أفهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ الناس ما هي الإمامة ؟ ومن هو الإمام ؟ وكيف ينبغي التعامل معهما ؟ فذلكم شأن في غاية الأهمّية من شؤون الإسلام، فإن أهمل أو حرّف ضاع على الناس دينهم فتاهوا وتخبّطوا، وضلّوا وأضلّوا.
ومع ذلك كلّه – أيها الإخوة الأعزّة – فقد بقي الناس يقابلون كتاب الله تعالى، وسنّة النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ بآرائهم، بل بأهوائهم، ويتعاملون معهما بأمزجتهم واقتراحاتهم، لا بطاعتهم وتسليمهم وولايتهم. ومن هنا كان هتك حرمة القرآن والسنّة معاً، فأصبحت الخلافة وراثةً وملكاً يواجه به أئمّة الحقّ والهدى، وأوصياء النبيّ المصطفى، لا بالغصب فحسب، بل بالسيوف والرماح والسهام، شهرت من قبل بني أمية في كربلاء، معلنةً على صفحةٍ عريضةٍ من التاريخ عودة الجاهلية الأولى، ومجاهرةً بحربها لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ في أبنائه بعد سبعة عقودٍ من السنين، وانفجرت أحقاد المشركين والكافرين التي عاشت في صدورهم المريضة عن بدرٍ وحنينٍ والأحزاب وفتح مكة وخيبر..
وكان من عوامّ الناس وجهلتهم وطامعهم وأصحاب العصبيات الجاهلية، أن انساقوا مع أئمّة الكفر والضلال والفساد والظلم والانحراف، محاربين الإمامة الإلهية الحقّة التي تجلّت يومها في سبط النّبي وريحانته، سيد شباب أهل الجنّة، أبي عبدالله الحسين بن عليٍّ وابن فاطمة بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أشرف الناس بين الناس يومها حسباً ونسباً وعِلماً وتقى وهدى وإيماناً ورحمة، حتّى إذا تهيأ جيش الضّلال ليقتلوه، أشفق عليهم أن يتورّطوا في جريمةٍ عظمى يبوؤون بإثمها الأكبر، فتقدّم لهم بالنُّصح يخطبهم يوم عاشوراء يقول لهم :
"أيها الناس، إنسبوني من أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وانظروا هل يحلّ لكم قتلي، وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيكم، وابن وصيه وابن عمّه وأوّل المؤمنين بالله (أي عليّ عليه السَّلام)، والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟! أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي: ((هذان سيدا شباب أهل الجنّة))؟! " ثمّ قال عليه السَّلام لهم: "فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيٍّ غيري فيكم، ولا في غيركم، ويحكم ! أتطلبوني بقتيلٍ منكم قتلته، أو مالٍ لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة؟!"
فأخذوا لا يكلّمونه، بلى ثمّ كلّموه ولكن برشق النبال، هكذا قابلوا الإمام بالتجاهل والتناكر، ثمّ قابلوا الإمام الناصح بهتك حرمته بإعلان الحرب عليه حتّى قتله يريدون إذلال مقامه، وهيهات...
وبقيت قضية الإمامة – أيها الإخوة الأعزّة – شبحاً يقلق الغاصبين، وبقي أهل البيت عليهم السَّلام يعرضونها على مسامع الأجيال وأفهامهم، ليميزوا الحقّ والمحقّين، عن الباطل والمبطلين، وليعلموا من الأولى أن يؤخذ منهم الشرع وتعرف بهم معالم الدين، ويهتدى بنورهم إلى مرضاة ربّ العالمين.
وقد تقدّم للناس أبوعبدالله الحسين ـ عليه السَّلام ـ يعرّف وينبّه ويحذّر، يريد إنقاذهم ونجاتهم، ويلفت عقولهم وضمائرهم، فيجيب أهل مكة على كتابٍ لهم إليه يقول لهم : "فلعمري ما الإمام إلّا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والداين بالحقّ، والحابس نفسه على ذات الله" .
روى ذلك الطبريُّ في تاريخه، وابن الأثير الجزريُّ في كامله، والخوارزميُّ الحنفيُّ في مقتله.. الذي أضاف فيه أنّ رجلاً سأل الحسين ـ عليه السَّلام ـ عن تفسير قوله تعالى : "يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ" (الإسراء:۷۱) ، فأجابه أبوعبدالله ـ عليه السَّلام ـ بقوله : "إمامٌ دعا إلى هدى فأجابوا إليه، وإمامٌ دعا إلى ضلالةٍ فأجابوا إليها. هؤلاءِ في الجنّة وهؤلاء في النار، وهو قوله تعالى : (فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير" .
نعم – أيها الإخوة الأحبّة – وقد دعا الإمام الحسين إمام الهدى إلى الهدى، فأجابه أصاحبه، فهم أهل الجنّة لا ريب، ودعا يزيد إمام الضّلالة إلى الضلالة، فأجابه أزلامه، فهم أهل السعير لا ريب. فسعد فريقٌ بنصرته الإمامة الإلهية النبوية، حتّى نال الشهادة، وخسر فريقٌ بإجابته واستجابته للإمامة الغاصبية الإضلالية، حتّى باء بغضب الله ونقمته ؛ لما انتهك من حرمات الله ورسوله.
في نهاية هذه الحلقة – وهي الثامنة – من برنامج فاجعة كربلاء وحرمات الله تقبل الله منكم حسن المتابعة ، والسَّلام عليكم