قال الشهيد الزينبيي الغيور عون ابن العقيلة الصديقة زينب الكبري وعبد الله بن جعفر الطيار وهو يبرز لجهاد عساكر الضلال الأموي:
إن تنكروني فأنا ابن جعفر
شهيد صدقٍ في الجنان أزهر
يطير فيها بجناحٍ أخضر
كفي بهذا شرفاً في المحشرِ
أقسمت لاأدخل الا الجنة
موالياً لاحمدٍ والسنة
هو الذي أنقذنا بمنّة
من حيرة الكفر وسوءِ الظنة
صلي عليه الله باري الجنة
وارتجز أخوه الشهيد محمد بن عبد الله بن جعفر الطيار محذراً عساكر
البغي والكفر الذين تجمعوا لحرب الحسين – عليه السلام – قائلاً:
أشكو الي الله من العدوان
قتال قومٍ في الردي عميان
قد تركوا معالم القرآن
ومحكم التنزيل والتبيان
واظهروا الكفر مع الطغيان
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله عدد النّعماء، وأشرف الصلوات علي المصطفي سيد الأنبياء، وعلي آله سادة الأوصياء.
إخوتنا الأعزّة الأكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نبقي مع بني هاشم في تاريخهم الأصيل ومواقفهم الشامخة، فقد عرفوا بالموحّدين إذ كانوا علي دين الحنيفية علي ملّة أبيهم إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان لهم من الوجاهة الاجتماعية بين قبائل الجزيرة أن تولّوا خدمة البيت الحرام، كما تولّوا رعاية الناس وقضاء حوائجهم وإعانة
ضعفائهم ومساكينهم.. ومن هنا يقول الشاعر فيهم:
في البيت من هاشم العلياء نسبتهم
والنّعت من أحمد المبعوث للأمم
قومٌ إذا فخر الأقوام كان لهم
أنف الصّفا وأعالي البيت والحرم
شمّ المراعف ولّاجون مزدحم
الهيجاءِ بالنّفس فرّاجون للغمم
ومن هنا حسدهم الناس، فمع سابقتهم الكريمة جاءت لاحقتهم المشرّفة، وهي تأييدهم ونصرتهم لرسول الله صلّي الله عليه وآله، ومحاربتهم للكفر والشرك وعبادة الأوثان، فازدادت النقمة عليهم من قبل المشركين ومؤيديهم، لاسيما بني أمية الذين عرفوا بالانحطاط والرذيلة تاريخاً وواقعاً.. ولقد أجاد من قال:
إنّ الخيار من البرية هاشمٌ
وبنو أمية أرذل الأشرار
فبنو أمية عودهم من خروعٍ
ولهاشم ٍ في المجد عود نضار
أمّا الدّعاة الي الجنان فهاشمٌ
وبنو أمية من دعاة النار
و بهاشمٍ زكت البلاد وأعشبت
وبنو أمية كالسّراب الجاري
أجل إخوتنا الأماجد كيف لايشعر بنو هاشمٍ بالعزّ والفخر ورسول الله محمّدٌ -صلّي الله عليه وآله- منهم وتتعاقب عقود الزمان، فتكون واقعة كربلاء، وتحلّ ظهيرة يوم عاشوراء، فيتقدّم بنو هاشمٍ كالأسود في ساحة الطّف يحملون السيوف بأيديهم، والعقيدة في جوانحهم، والهمّة في نفوسهم، والشهادة في ضمائرهم، لايسمحون أن تمتدّ أيدي البغي إلي حريم الإمامة حتّي يقتلوا، فوقفوا دونها يدافعون عنها بالأنفس والأبدان.
بأبي من شروا لقاء حسينٍ
بفراق النفوس والأرواح
وقفوا يدرأون سمر العوالي
عنه والنبل وقفة الأشباح
فوقوه بيض الظّبي بالنّحور
البيض، والنبل بالوجوه الصّباح
أدركوا بالحسين أكبر عيدٍ
فغدوا في مني الطّفوف أضاحي
كان منهم محمّد بن عبد الله ابن الشهيد جعفر الطيار بن أبي طالب رضوان الله عليهم، أمّه الخوصاء بنت حفصة، خرج هذا الهاشميُّ الغيور بعد شهادة محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب، برز إلي ساحة القتال وقد تقدّم قتاله رجزٌ واعظ لايخلو من توبيخ القوم الذين قدموا يقاتلون حجّة الله علي عباده، فنادي مرتجزاً:
أشكو إلي الله من العدوان
قتال قومٍ في الردي عميان
قد تركوا معالم القرآن
ومحكم التنزيل والتّبيان
وأظهروا الكفر مع الطّغيان
فقاتل حتّي استشهد، بعد أن تعطّفوا عليه صفوفاً وهو وحده يضاربهم بمفرده وقتل وصرع منهم عشرة، علي عقيدة الإسلام ويراهم علي الكفر والظلم معاً.
وبعد شهادة محمّد بن عبد الله بن جعفر، خرج أخوه عون بن عبد الله بن جعفر، أجل.. اسمه عون، وهمّته العون، وأمّه هي العقيلة الكبري زينب بنت أمير المؤمنين سلام الله عليه وعليها، وكانت عوناً لأخيها أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه وعليها. خرج هذا العون علي صغر سنّه في علوّ النفس والكرامة، وبرز إلي ساحة المعركة والجهاد بعد شهادة آل أبي طالبٍ في حملتهم. فنادي في القوم مفتخراً بجدّه الشهيد الطّيار الذي قتل في مؤتة واشتدّ بكاء رسول الله عليه، جعفر رضوان الله عليه، فقال حفيده عون في أرجوزته الفخورة:
إن تنكروني فأنا ابن جعفر
شهيد صدقٍ في الجنان أزهر
يطير فيها بجناحٍ أخضر
كفي بهذا شرفاً في المحشر
هذا وهو يقاتل أمام إمامه وخاله الحسين عليه السلام، حتّي قتل من معسكر عمر بن سعدٍ ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلاً، فغاض القوم ذلك، عندها حملوا عليه فقتلوه، فاستشهد عزيزاً مكرّماً نائلاً مراده ومناه، إذ كان يرتجز قبل شهادته فيقول في مبارزته:
أقسمت لا أدخل إلّا الجنة
مواليا لأحمدٍ والسّنة
والفوز من بعد انقطاع المنّة
هو الذي أنقذنا بمنّة
من حيرة الكفر وسوء الظّنّة
صلّي عليه الله باري الجنّة
أجل.. علي هذا الاعتقاد استشهد ذاكراً لرسول الله -صلّي الله عليه وآله- جميله الأوفي، ومؤدّياً له بعض أجر الرسالة، بالمودّة لقرباه الحسين بالشهادة دونه وبين يديه. وعلي هذا الاعتقاد استشهد بطلٌ آخر من بني هاشم، قيل: هو أحمد بن محمّدٍ الهاشميّ، فهو الآخر قاتل بين يدي إمامه أبي عبد الله الحسين -عليه السلام-، وكان يرتجز في حماسٍ وغيرةٍ قائلاً:
اليوم أبلو حسبي وديني
بصارمٍ تحمله يميني
أحمي به عن سيدي وديني
ابن عليّ الطاهر الأمين
وهكذا تمضي قوافل الشهداء، بين يدي سيد الشهداء، فيقتل الأصحاب، ثمّ أهل بيته الأطياب، وجميع الأعزّة والأحباب، وقبل سويعةٍ كانوا يحيطونه منعةً وغيرةً وولاءً وفداءً، وها قد ذهبوا، فبقي وحده يقاتل حتّي كان الذي كان، ما يتحير في ذكره اللسان، وتلتهب له الجنان.
ومضي ربيط الجأش يعترض الصفوف.. فأدبرت مذ هالها إقباله.
وتحوطه من آل هاشم فتيةٌ
للأفق منهم بدره وهلاله
من كلّ أروع ذي مضاءٍ في الوري
قد قلّ مشبهه وعزّ مثاله
فكأنّه ما بينهم ليث الشّري
وكأنهم من حوله أشباله
وصحابةٌ بذلوا النفوس لنصره
لم تثنهم يوم الوغي أهواله
قلّوا.. ولكن كلّ فردٍ منهم
جيشاً لهاماً في الكفاح تخاله
هجروا لنصر الدّين كلّ محبّبٍ
والموت لذّ لهم هناك وصاله
اعزاء الكرام، أما الآن فنخلص أبرز قيم الكرامة التي خلدها ولد الصديقة زينب الكبري وعبد الله بن جعفر الطيار وأحمد بن محمد الهاشمي في أراجيزهم الملحمية التي قرأناها لكم في هذا اللقاء، وهي:
أولاً: التأكيد أن الإلتفاف حول الراية المحمدية وسنته النبوية النقية التي حفظها أئمة عترته الطاهرين عليهم السلام هو المفتاح الأساس للنجاة من الضلالة والفوز بالجنة.
ثانياً: إن العمل بوصية النبي الأكرم – صلّي الله عليه وآله – بشأن التمسك بالثقلين القرآن والعترة النبوية الطاهرة، هو السبيل الوحيد للتحصن من أشكال الإنحرافات العقائدية والسلوكية كالكفر والطغيان.
وبهذا اعزاء المستمعين ننهي الحلقة الثامنة عشر من برنامج هدير الملاحم قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. نشكر لكم طيب المتابعة والإصغاء، دمتم بألف خير. الى اللقاء.