البث المباشر

من أراجيز المنتقمين من جناة واقعة الطف

الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 - 10:42 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- هدير الملاحم: الحلقة 26

قال قائد ثورة التوابين الثائرين ضد قتلة الحسين – عليه السلام – الشهيد المجاهد سليمان بن صرد الخزاعي -رضوان الله عليه- وهو يقاتل عساكر ابن زياد في واقعة عين الوردة:

إليك ربي تبت من ذنوبي

فقد أحاطت بي من جنوبي

وقد علاني في الورى مشيبي

فارحم عبيداً غير ما تكذيب

وأغفر ذنوبي سيدي وحوبي


وقال المختار الثقفي -رضوان الله عليه- في جهاده لفلول البغي اليزيدي:

لما رأيت الأمر قد تعسرا

وشرطة الله قياماً حسّرا

يسعون حولي جاهدين صبرا

شددت في الحرب علي مغفرا

وصارماً مهنداً مذكرا

معتقداً أني سألقى القدرا


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله أناء الليل وأطراف النهار ، وأزكى الصلوات وأنماها على النبي المصطفى المختار، وعلى آله الهداة الأخيار.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السلام عليكم، مستمعينا الأفاضل، وأهلا بكم.
إنّ من جملة الاثار الكثيرة، والمهمّة التي خلّفتها واقعة طفّ كربلاء، أنّها تركت حسرات حرّى في قلوب الناس، وعذابات شديدة في ضمائرهم، فلم يعرفوا كيف يستدركون أمرهم بعد أن وجدوا أنفسهم مقصّرين أعظم التقصير مع إمام زمانهم أبي عبدالله الحسين -صلوات الله عليه- إذ تخلّفوا عن نصرته، وخذلوه وتركوه يقتل غريباً هو وأهل بيته والخيرة من أصحابه في صحراء كربلاء، ثمّ يبقى طريحا على الرمال بلا صلاة ولا دفن!
وتسبى عيالاته وهنّ حرم رسول الله إلى الكوفة ثمّ إلى الشام، فيدخلون إلى مجالس التشفّي والشماتة!
إنّ أخبار هذه الوقائع التي جرت – أيها الإخوة الأكارم – قد تركت بالغ الاثار في نفوس الغياري، فلم يعودوا يستقرّون إلا بالانتقام من قتلة الحسين -عليه السلام-، وتكفير ذنبهم العظيم بالشهادة في طريق الثأر المقدّس من جميع من شاركوا في قتل ولي الله، أبي عبدالله سيد شباب أهل الجنّة، -صلوات الله وسلامه عليه-.
ومن هنا انفجرت ثورات للمنتقمين وإن كانوا أيام عاشوراء معذورين، فقد أصبحوا آسفين، إذ لم يوفّقوا أن يستشهدوا بين يدي إمامهم ييذبّون عن حرمته وحريمه، لكنّهم لاينبغي لهم أن يعذروا أنفسهم بعد شهادة الإمام الحسين -عليه السلام-، لاسيما المقصّرين التوّابين، فنهضوا والأسياف في أيديهم، والعزائم في صدورهم، ودماء الثأر تجري في عروقهم، وهدير الملاحم وأراجيزها تنطلق من أفواههم... فلنستمع إلى بعض تلك الأراجيز الهادرة سبقت الشهادة.
* نبدأ، أيها الإخوة الأفاضل، بعلم من أعلام الآخذين بثأر سيد الشهداء -عليه السلام-، ذلك هو المختار بن أبي عبيدة الثقفي -رضوان الله عليه-، الذي قال الإمام الباقر -عليه السلام- فيه بعد أن كرّر ترحّمه عليه: "ما ترك لنا حقّا عند أحد إلّا طلبه، قتل قتلتنا، وطلب بدمائنا"... ومن قبل ذلك دعا له الإمام زين العابدين علي بن الحسين -عليه السلام- قائلاً:
"الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي، وجزى المختار خيراً"، ومن بعد قال الإمام الصادق -عليه السلام-: "ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين -عليه السلام-"، وكان الإمام الباقر -سلام الله عليه- قد قال: "لاتسبّوا المختار؛ فإنّه قد قتل قتلتنا، وطلب ثأرنا، وزوّج أراملنا، وقسّم فينا المال على العسرة".
هذا الرجل كانت له أراجيز عديدة، كان منها هذه الرائية:

لمّا رأيت الأمر قد تعسّرا

وشرطة الله قياماً حسّرا

يسعون حولي جاهدين صبّرا

شددت في الحرب علي مغفرا

وصارماً مهنّدا مذكرا

معتقداً أنّي سألقى القدرا

إن تقتلوني تقتلوا مشمّرا

رحب الذراعين شديداً حذرا

محمّدا قتلته وعمرا

ونجله حفص الذي تنمّرا

وابن سعيد، وقتلت المنذرا

وابن زياد إذ أقام العيثرا

والأبرص القيسي لمّا أدبرا

أخا لجيم إذ طفى واستكبرا

من كلّ حي قد قضيت وطرا


فيذكر -رضوان الله عليه- من قتل من قتلة الحسين -سلام الله عليه-: محمد بن الأشعث الكندي، وعمر بن سعد، وحفص بن عمر بن سعد، وعمرو بن سعيد الأزدي، والمنذر بن حسّان الضّبي، وعبيد الله بن زياد، وعبد الرحمان القيسّي... لعنهم الله وشدّد عليهم عذابه الأليم المهين.
هؤلاء من ذكرهم المختار في أرجوزته هذه، وإلّا فالأخبار نقلت أنّه قتل ثمانية عشر ألفاً ممّن باشروا أو أعانوا على قتل الإمام الحسين -صلوات الله عليه-.
* وللمختار الثقفي -رحمه الله- أيها الإخوة الأحبّة! أرجوزة أخري، فائية، ارتجزها بعدما ودّع ابراهيم بن مالك الأشتر لخروجه إلى الموصل لمقارعة عبيدالله بن زياد وقتله، وقد وفّق لذلك، هكذا ذكر المجلسي في(بحار الأنوار) عن ابن نما في(مثير الأحزان)، وكذا ورد في(أنساب الأشراف) للبلاذري، وفي(تاريخ الطبري). لكنّ هذه الأرجوزة الفائية ذكرها الخوارزمي الحنفي في(مقتل الحسين -عليه السلام-) فنسبها الى ابراهيم الاشتر، وعلى أية حال، فهي هكذا:

إنّا وحقّ المرسلات عرفا

حقّاً، وحقّ العاصفات عصفا

لنعسفنّ من بغانا عسفا

حتّى نسوم القاسطين خسفا

زحفاً إليهم لا نملّ الرّجفا

حتّى نلاقي بعد صفّ صفّا

وبعد ألف قاسطين ألفا

نكشفهم لدى الهياج كشفا


وقد تضمّنت الأبيات عبارات قرآنية اقتبسها الراجز بما يناسب كلماته الحماسية. وهنالك أرجوزة لامية، قيل إنّ المختار الثقفي ارتجزها حين وثب بالكوفة ونادي: يا لثارات الحسين! وأخذ بالقبض على من شارك في قتل أبي عبدالله الحسين، وهو يقول:

قد علمت بيضاء حسناء الطّلل

واضحة الخدّين عجزاء الكفل

أنّي غداة الرّوع مقدام بطل

لا عاجز فيها ولا وغد فشل


أورد ذلك الطبري في(تاريخه)، والبلاذري في(أنسابه)، وقيل: إنّ هذه الأرجوزة وكذا أرجوزة لإبراهيم الأشتر شابهتا أرجوزة المسيب بن نجبة الفزاري، أحد قادة ثورة التوّابين، حيث يقول:

قد علمت ميالة الذّوائب

واضحة الخدّين والترائب

أنّي غداة الرّوع والتّغالب

أشجع من ذي لبدة مواثب

قصّاع أقران مخوف الجانب


ذكرها له الطبري في (تاريخه).
أمّا قائد ثورة التوّابين، سليمان بن صرد الخزاعي، فكانت له أرجوزة بائية أيضاً ارتجزها مع المسيب بن نجبة الفزاري في حربهما عبيدالله بن زياد بعين الوردة قرب الموصل شمال العراق، فسحقاه، وقتلاه، وجنده يوم عاشوراء عام خمسة وستّين للهجرة، والأرجوزة هي قول سليمان الخزاعي:

إليك ربي تبت من ذنوبي

فقد أحاطت بي من جنوبي

وقد علاني في الورى مشيبي

فارحم عبيداً غير ما تكذيب

واغفر ذنوبي سيدي وحوبي


قيل: أراد بذنوبه عدم حضوره كربلاء لنصرة الإمام الحسين -عليه السلام-، فكفّر عن ذلك بثورته التي عرفت «بثورة التوّابين»، التي سمعت فيها قعقعة السيوف المنتقمة ، وشعارات الثأر الهائجة، وكذا أراجيز الملاحم الهادرة.
وها نحن نصل، اعزاء المستمعين، الى ختام الحلقة السادسة والعشرين والأخيرة من برنامج هدير الملاحم الذي خصصناه لوقفات عند القيم المستوحاة من أراجيز شهداء واقعة كربلاء الملحمية. وقد إتضح أن هذه القيم تبين حقيقة واضحة هي أن الأراجيز تتميز عن كل ما سجله التأريخ الإسلامي من نظائرها بقوة التعبير عن سمو ورفعة الرسالة الإلهية التي حملها هؤلاء الشهداء الأبرار ودافعوا عنها وضحوا لأجلها بكل وجودهم -رضوان الله عليهم جميعاً-.


من إذاعة طهران، صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبلوا منا خالص الشكر على جميل متابعتكم لبرنامج هدير الملاحم. دمتم في رعاية الله وحفظه. الى اللقاء.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة