قال الفتى الغيور عمرو بن جنادة معرفاً نفسه لطواغيت النفاق الأموي وقد برز لقتالهم ولم يكن عمره اكثر من إثني عشر عاماً:
أميري حسين و نعم الأمير
سرور فؤاد البشير النذير
علي و فاطمة و الداه
فهل ترون له من نظير
له طلعة مثل نجم الضحي
له غرة مثل بدر منير
وقال الشهيد الصابر حنظلة الهمداني مخاطباً عساكر البغي الأموي:
يا شر قوم حسباً وزادا
فكم ترومون لنا العنادا
وقال الطّرمّاح حادي الركب الحسيني في رجزه بوجه عتاة الظالمين في ملحمة عاشوراء:
أنا الطرّمّاح شديد الضرب
وقد وثقت بالإله ربي
وقال سعد التميمي الشهيد الحسيني في رجزه العاشورائي:
صبراً على الأسياف والأسنة
صبرا عليها لدخول الجنة
يا نفس للراحة فاجهدنه
وفي طلاب الخير فارغبنه
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على النبي المختار، وعلى آله الهداة الأبرار.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حيّأكم الله، مستمعينا الأفاضل وأهلا بكم.
لاشك أنّ هنالك فرقا كبيرا بين من يصنعه التاريخ ويتكلفه ليظهره للأجيال وبين من أذعن له التاريخ فصار صنيعته. وكذا هناك فرق كبير، وكبير جدّاً، بين من يذكره التاريخ بالذّمّ والمثالب، وبين من يذكره بالمدح والفضائل والمناقب.
وقد رحل الجميع عن وجه الأرض، وبقيت الأخبار تذكر الكثير من الحقائق، ومن تلك الحقائق – أيها الإخوة الأكارم – أنّ عدّة من الناس ماتوا على ضلالة وجريمة وانقلبوا بخزي إلى عذاب مهين، وأنّ عدّة منهم توفّوا على هدى وعمل صالح، وانقلبوا بشرف إلى مرضاة الله ونعيمه الأبدي الهنيء. والميزان هو حكم الله تعالى في العباد، وهو القائل، عزّ من قائل، يصف لنا مشهداً من مشاهد يوم القيامة: "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ* وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا»، إلى أن قال تعالي: «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ* وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ".
* إخوتنا الأفاضل... إنّ المرء السعيد من كان له توفيق في هذه الحياة الدنيا، والتوفيق له طرفان: طرف بيد العبد، وهو حسن الاختيار، و صدق النية، والعمل الصالح، والسعي والجهاد حتّى خاتمة العمر. أمّا الطرف الآخر من التوفيق فهو بيد الباري تبارك و تعالي، حيث يمدّ العبد بالنور والخير والحول والقوّة حتّى يبلغ به حسن العاقبة... وهذا هو الذي حصل لأصحاب الإمام الحسين -عليه السلام وعليهم-، حيث اختاروا الإمامة الإلهية على السلطة الملوكية، ووالوا الإمام الوصي الحقّ، متبرّئين من جميع أئمة الضّلال والفساد والانحراف، وناصروا أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وآله-، وجاهدوا بين أيديهم، وذبّوا عنهم بأنفسهم وأموالهم، و بسيوفهم وألسنتهم، حيث نزلوا ساحة القتال وهم يرفعون السلاح بيد، ويهتفون باليد الأخرى مطلقين في وسط جموع الأعداء أراجيزهم التي حملت التعريف بهم، وتحدّي المتكاثرين عليهم، كما حملت التعريف
بمبادئهم وغاياتهم.
تقدّم يومها حنظلة بن أسعد الشّبامي الهمداني يقول لإمامه الحسين -عليه السلام-: جعلت فداك يا ابن رسول الله، أفلا نروح إلى الآخرة؟!
فأجابه أبوعبدالله -سلام الله عليه-: "بلي، رح إلى ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لايبلي".
فتقدّم هذا المؤمن الغيور وهو يخاطب الغدرة والخائنين، بأرجوزة نقلت منها بعض المصادر بيتين فقط و بعضها ثلاثة وأربعة وهي قوله:
يا شرّ قوم حسبا وزادا
فكم ترومون لنا العنادا
لا حفظ الله لكم أولادا
ثمّ هجم مصلتا سيفه يضرب به في الأعداء قدما ، حتّى حملوا عليه من كلّ جانب فقتلوه -رضوان الله عليه-.
ولقلّه من بقي من أصحاب الإمام الحسين -عليه السلام-، أخذ الرجل بعد
الرجل يتقاطرون عليه يطلبون الإذن منه للبراز والمبارزة، يسلّمون عليه فيردّ -عليهم السلام- قائلاً لكل منهم: ونحن خلفك، فإذا استشهد أي منهم وقف عليه السلام عند رأسه وأبّنه، وقرأ قوله تعالي: «فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ».
وكان ممّن تقدّموا: يزيد بن مغفل الجعفّي، فاستأذن ودخل ساحة معركة الطفّ وهو يقول مرتجزاً:
إن تنكروني فأنا ابن مغفل
شاك لدى الهيجاء غير أعزل
وفي يميني نصل سيف مصقل
أعلو به الهامات وسط القسطل
عن الحسين الماجد المفضّل
هكذا نادى هذا الجعفي الشجاع، وكأنّه أحسّ أنّ القوم استخفّوا بعدد أصحاب الحسين وقد تناقص بعد شهادة معظمهم، فتوقّعوا أن ينهار من بقي منهم، فبرز ابن مغفل يتفاخر عليهم بشجاعته، بل ويتحدّاهم بشهامته.
وفي ساحة القتال يوم عاشوراء ، سمع العسكران رجلاً من أصحاب الإمام الحسين -عليه السلام- يخاطبه مناصراً بأرجوزة يقول له فيها:
أبشر هديت الرّشد تلقى أحمدا
في جنّة الفردوس تعلو صعدا
ذكر ذلك محمّد تقي سپهر في كتابه(ناسخ التواريخ)، والمجلسي في(بحار الأنوار)، وابن نما في(مثير الأحزان) ، وقالوا إنّ هذه الأرجوزة ارتجزها ابو عمرو زياد بن عريب الصائدي، وذلك حين رجع من المعركة إلى الإمام الحسين -عليه السلام- فخاطبه بها مؤكداً أنّ الجهاد في هذه الساحة سينتهي إلى الشهادة، والشهادة هنا تعني لقاء رسول الله -صلى الله عليه وآله- وأنّ الملتقى في الجنّة، بل في الفردوس الأعلي.
هذا فيما سمع مجاهد آخر يتشوّق الى ما بعد الشهادة، فيرى هنالك حياة ذات نعيم... نعيم بدني، وآخر روحي معنوي... إنّه سعد بن حنظلة التميمي، الذي ارتجز وهو يقاتل أصحاب عمر بن سعد يوم عاشوراء، وهو يتصابر وقلبه يتصاعد إلى ماوراء هذا العالم، فيقول:
صبراً على الأسياف والأسنّة
صبراً عليها لدخول الجنة
وحور عين ناعمات هنّه
لمن يريد الفوز لا بالظّنّة
يا نفس للراحة فاجهدنّه
وفي طلاب الخير فارغبنّه
نقل ذلك محمّد تقي سپهر في(ناسخ التواريخ)، وابن شهرآشوب في(مناقب آل أبي طالب)، وابن أعثم الكوفي في(الفتوح)، والخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين-عليه السلام-).. وغيرهم.
هذا فيما روى أبو مخنف في(مقتل الحسين-عليه السلام-) أنّ الطّرمّاح بن عدي الطائي أنشأ يوم عاشوراء هذه الأرجوزة، معرباً فيها عن عقيدته وموقفه معاً، وعن إقدامه وغلظته على أعداء الله معاً، فقال في أرجوزته:
أنا الطّرمّاح شديد الضّرب
وقد وثقت بالإله ربي
إذا نضيت في الهياج عضبي
يخشى قريني في القتال غلبي
فدونكم، فقد قسيت قلبي
على الطّغاة لو بذاك صلبي
وكان صادقاً في ما كان يقوله، وقد سبق أن خاطب ناقته التي أقلّته إلى طفّ كربلاء قائلاً له:
يا ناقتي لاتذعري من زجر
وامضي بنا قبل طلوع الفجر
بخير فتيان وخير سفر
آل رسول الله أهل الفخر
السادة البيض الوجوه الزّهر
إلى أن يقول داعياً ربّه:
يا مالك النفع معاً والضرّ
أمدد حسيناً سيدي بالنصر
على الطغاة من بقايا الكفر
على اللّعينين سليلي صخر
يزيد لازال حليف الخمر
وابن زياد العهر وابن العهر
إخوة الولاء! لايمكن للمنصف أن ينكر أن الثقة بالله لم تتجل في ملحمة جهادية بالمرتبة التي تجلت في تفاني أبطال ملحمة عاشوراء الحسينية. وهذه من الحقائق الواضحة التي نلاحظها في النماذج التي قرأنا لكم من أراجيز أبطالها في هذا اللقاء وهو الرابع والعشرين من برنامج هدير الملاحم.
وها نحن نصل الى ختام هذا البرنامج الذي يقدم لحضراتكم من إذاعة طهران، صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. دمتم بألف خير، الى اللقاء.