البث المباشر

صدق المودة في رجز ابن الحر وابن الاشتر والغفاريين

الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 - 10:20 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- هدير الملاحم: الحلقة 23

قال بكير الرياحي عندما برز لجهاد النفاق الأموي بعد استشهاد -رضوان الله عليهما-:

أنا بكير وانا ابن الحر

أفدي حسيناً من جميع الضر

أرجو بذاك الفوز يوم الحشر

مع النبي والامام الطهر


وقال الشهيد بن الشهيد اسحاق بن مالك االاشتر -رضوان الله عليهما- وهو يجاهد عساكر البغي في ملحمة عاشوراء:

يا أيها الباغي الذي ارتكبا

فلانخاف الموت لما قربا

لأن فينا بطلاً مجربا

أعني الحسين عندنا محببا


وقال الشهيد الناصح ابن عروة الغفاري في رجز في يوم الطف:

يا قوم ذبوا عن بني المختار

حتى تحيلوا عن طريق النار

وتسكنوا الجنة خير دار

مع النبي المصطفى المختار

وصهره المولى قسيم النار

أعني بذاك ضيغم الكرار


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمد الشاكرين وأزكى الصلوات وأشرفها على النبي المصطفى الهادي الامين، وعلى اله الهداة الميامين.
مستمعينا مستمعاتنا! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حيأكم الله وأهلا بكم.
مستمعينا الكرام! ان للشعر لغةً خاصة، فهي لغة الجنان، أقرب منها الى لغة اللسان ولغة القلب والضمير، أقرب منها الى لغة العقل المحض والتفكير. والاسلام في خطاباته القرآنية والنبوية جاء باللغتين، لأنه الدين الذي يعتني بالروح والجسد، والقلب والعقل، والقانون والاخلاق، والافكار والعواطف معاً، ولانه أيضاً دين المباديء والقيم العليا، ومنهاج الحياتين الدنيا والآخرة… ومن هنا نراه –أيها الاخوة الأكارم– تارة يعرض المفاهيم والشرائع، وتارةً يجنح الى المعارف العليا، وتارة أخرى يكون حديثه حديث الاحاسيس والمشاعر الانسانية الطاهرة. فاذا اجتمع ذلك كله في الشعر وجدناه شعراً خالداً وان كان متواضعاً من الجانب الأدبي والبلاغي. وانما البلاغة يراد بها بلوغ المعنى الى ذهن السامع، لافهامه القصد الذي يريده الأديب، ومقاصد الشعراء الاسلاميين هي ثوابت العقيدة يبوح بها الشاعر ويعلن من خلالها موقفه بكل اعتدادٍ واعتزاز.. وذلك هو الذي قدّمه أصحاب الامام الحسين -عليه السلام- من الرجز في ساحة طف كربلاء يوم عاشوراء.
ان واقعة عاشوراء الحسين -عليه السلام- كانت ملحمة حوت مالم تحوه المعارك الاخري، وقد طرزت حوادثها أراجيز انطلقت من أفواه أهل بيت الحسين وأصحابه قبل شهادتهم -رضوان الله تعالى عليهم-، فشكلت لوحات ظاهرها الأدب والشعر والبلاغة، وباطنها صور تاريخية عقائدية، ومواقف مبدئية ولائية تضحوية.
وقد كان للحر الرياحي -رحمه الله- موقفه الحاسم حين انحاز الى معسكر الامامة، ولكنه لم يكن وحده، فقد رافقه ولده بكير، ورغم أن هذا الولد كان شاباً يانعاً، ولكنه كان قد رزق نعمتين كريمتين: الاولى البصيرة التي عرفته من هو امامه الحق فانحاز مع أبيه الى أبي عبد الله الحسين -صلوات الله عليه-« والنعمة الثانية: هي الشجاعة التي نهضت به في اقدام نبيل على اختيار الشهادة مع أبيه، ولم تقعده رغبة في البقاء في بيته الى جنب والدته خلفاً لأبيه. ولعل أرجوزته الرائية كاشفة عن ذلك حين خرج لقتال أعداء الله، فسمع منه قوله وسط ساحة النزال:

أنا بكير وأنا ابن الحر

أفدي حسيناً من جميع الضر

أرجو بذاك الفوز يوم الحشر

مع النبي والامام الطهر


وذلك – ايها الاخوة الأفاضل – توفيق أن يكون المرء على هذا الاعتقاد، وقد انصرف قلبه الى اخرته، وتشوق الى رسول الله -صلى الله عليه واله- والى امير المؤمنين -عليه السلام- راغباً في لقائهما ولو عن طريق القتل.
وذاك شبل اخر لأسد شهيد ٍ سبق، وهو اسحاق، ابن الشهيد مالك الاشتر الذي دس له معاوية السم في عسل، ثم أخذ يكنى كنايته الخبيثة المعروفة: «ان لله جنوداً من عسل!» لكن مالكاً بعث مرة ً اخري، ولكن في كربلاء من خلال ولده الذي أخذ يقاتل أعداء الامام الحسين بعد أن قاتل أبوه مالك أعداء أمير المؤمنين، فصال هذا الشاب المؤمن وجال، وقد ارتجز في وسط القتال فقال في شأن يوم عاشوراء:

يا لك يوماً كاسفاً وصعبا

يا لك يوماً لايواري كربا

يا أيها الباغي الذي ارتكبا

فلا نخاف الموت لما قربا

لأن فينا بطلاً مجربا

أعني الحسين عندنا محببا


وسبحان الله، اذ كان اسحاق على سر أبيه، اعتقاداً باصراً، وهمةً عازمة، ولواذاً بالامام، وانشاءً وانشاداً للشعر الحماسي في شهامة ٍ واقدام. فقاتل
حتى استشهد -رضوان الله عليه وعلى أبيه-.
ويدخل واقعة كربلاء أخوان غفاريان، يذكراننا بالصحابي، أبي ذر الغفاري- رحمة الله عليه ورضوانه-، اذ كان مخلصاً مواليا لأهل بيت رسول الله بعد رسول الله -صلى الله عليه واله-. والغفاريان أيها الاخوة الأحبة هما: عبد الله وجابر، ابنا عروة الغفاري. وفي بعض أخبار المقاتل أنه كان لهما أخ قد جاء معهم، اسمه عبد الرحمن، نسبت اليه والى اخيه عبد الله هذه الأرجوزة الرائية:

قد علمت حقاً بنو غفار

أنا اذاً كالأسد العقار

يا قوم ذبوا عن بني المختار

حتى تحيلوا عن طريق النار

وتسكنوا الجنة خير دار

مع النبي المصطفى المختار

وصهره المولى قسيم النار

أعني بذاك ضيغم الكرار


والارجوزة هذه – أيها الاخوة الأكارم – دعوة الى قوم الشاعر وهم بنو غفار لنصرة الامام الحسين -عليه السلام-، فهو -سلام الله عليه- ابن رسول، الله ونصرته نجاة ولو كانت بالقتل، فبعد القتل منقلب خير، وهو السكنى في الجنة وهي خير دار، وذلك لأن في الجنة حبيبان هما رسول الله -صلى الله عليه واله-، وأمير المؤمنين عليه السلام وكفى برؤيتهما هناك وصحبتهما سعادة ً وشرفاً.
وقد نال الأصحاب قبل ذلك شرف الايمان بالله وبرسوله وكتابه، وشرف الولاء والتولي لامام زمانهم، وشرف الجهاد بين يدي سيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين -صلوات الله عليه-، ثم شرف الشهادة التي صبغت أجسادهم بالدماء الموالية، فارتحلوا بيض الوجوه مقبلين على النبي الأكرم -صلى الله عليه واله وسلم- وهم سعداء يجللهم الفخر، اذ نصروا سبطه وريحانته، وفدوه بأرواحهم، بعد أن آزروه بسيوفهم وألسنتهم، رفعوا السلاح بأيديهم، وأطلقوا اللسان بأراجيزهم. ولعل بعض الأصحاب كان متميزاً أكثر من الاخرين. فقد جاؤوا على ضعف الحال وشدته، فبان عليهم مع ذلك تلهّف وفداء واضحان على اقدامهم وعلى بيانهم.
ومن اولئك واضح التركي فهو: أولاً مولى مملوك، وثانياً تركي مهاجر الى بلاد العرب، لكن هذا المولى كان مؤمناً موالياً ذا بصيرة بالحق، حراً في نفسه وموقفه، ولم يكن أسير أهواء الدنيا ونزواتها وشهواتها. قيل: كان مولى الحارث المذحجي، كذا قيل: كان مولى الحسين -عليه السلام-، فخرج للقتال وهو يرتجز ويقول مخاطباً معسكر عمر بن سعد يهددهم ويوعدهم، ويعرفهم موقفه:

اليوم أسقيكم بكأس الحنظل

بصارمٍ ذي شفرةٍ لم يفلل

في حومة الميدان عند القسطل

أذودكم عن الحسين بن علي


فلم يعتذر عن غربته وتركيته، أو مملوكيته، فينزوي، بل أقدم ينصر امامه بمهجته، لايتراجع عن ذلك حتى ينال مناه بشهادته.
اخوة الولاء! لعل من أوضح القواسم المشتركة في أراجيز سادتنا، شهداء الملحمة الحسينية، هو بيانها الصريح لصدق مودتهم وحبهم للعترة المحمدية الطاهرة – عليهم السلام- وعملهم بالأمر القرآني هذا، وبصورةٍ هي اوضح ما يمكن أن يتجلى فيها الحب الصادق، وهي صورة التضحية بالنفس في سبيل الحبيب.


وبهذه الملاحظة ننهي، اخوتنا الأكارم، ومن اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقديم الحلقة الثالثة والعشرين من برنامجهدير الملاحم، شكراً لكم الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة