المقدمة
قال قمر بني هاشم ابو الفضل العباس عليه السلام وهو يشق طريقه وسط عساكر البغي متوجهاً نحو المشرعة لجلب الماء لعيال الحسين–عليه السلام:
أقسمت بالله الاعز الأعظم
وبالحجون صادقاً وزمزم
وبالحطيم والفنا المحرم
ليخضبن اليوم جسمي بدمي
دون الحسين ذي الفخار الأقدم
إمام أهل الفضل والتكرم
وقال سلام الله عليه في أرجوزةٍ أخرى يوم عاشوراء:
أقاتل القوم بقلبٍ مهتدي
أذب عن سبط النبي أحمد
أضربكم بالصارم المهند
حتى تحيدوا عن قتال سيدي
إني أنا العباس ذو التودد
نجل علي المرتضى المؤيد
اخوتنا الافاضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأجزل لكم حسن الثواب بمصابكم في الامام الحسين، وآل الحسين وأصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين، ومنهم قمر بني هاشم، أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، سلام الله عليهم، ذلكم العرق العلوي النابض بالشهامة، وبالعزة والغيرة والكرامة، والعبوسة في وجوه المتجاسرين على حرمات الرسالة والرسول الاكرم، محمدٍ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. أجل، انه العباس الذي نطقت يداه بالبأس والشجاعة، والاباء والنجدة والسؤدد، كما نطق محياه بأشعة البهجة والدماثة، وأنوار الايمان، وبهاء الرجولة، وكما نطق لسانه الموحد بأراجيز الأنفة والتحدي، والدفاع عن ساحة النبوة والامامة.نعم.. فقد وصفه المؤرخون هكذا: كان العباس وسيماً، يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الارض، ويقال له " قمر بني هاشم " وكان بين عينيه أثر السجود والعبادة. وهو الى ذلك –إخوتنا الأعزة الأكارم – ذلكم الغيور الذي لم يصبر على ضيم، حتى إذا رأى آل أبي طالب ٍ يقتلون على رمضاء كربلاء أقبل على إمامه وأخيه الحسين عليه السلام يستأذنه، فيجيبه أبوعبد الله: " ياأخي أنت صاحب لوائي". أجل.. إن العباس لوحده جيش كبير، كله غيرة وشهامة وحفاظ، فلم يهدأ له جنان، فعاد إلى أخيه الحسين يقول له: "قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين"، فيأمره أبوعبد الله سلام الله عليه أن يأتي بالماء للاطفال العطاشى.. فأراد العباس توديع أخيه، فلعله اللقاء الأخير… أو ماقبله، فتفاقمت حالة الحماس في نفسه المقدسة، فوجد لسانه الطاهر يرتجز بهذه الأبيات يخاطب بها أخاه:
أقدم حسيناً هادياً مهديا
اليوم تلقى جدك النبيا
وحمزةً والمرتضى عليا
حقاً وتلقى فاطم الزكيا
نعم – أيها الاخوة الأفاضل – فإذا صحت نسبة هذه الأبيات للعباس بن علي (ع) ولاعجب – فإنها عبرت عن أمور ثلاثة: عن حالة الإقدام، وعن الاستعداد للشهادة واستقبالها وانتظارها، وأخيراً عن الإيمان بأن بعد الشهادة لقاءً عذباً بالأرواح القدسية الطاهرة: روح النبي محمد، وروح الوصي علي، وروح الصديقة الكبرى فاطمة، وروح الشهيد الغيورة حمزة أسد الله ورسوله … صلوات الله عليهم جميعاً وإذا أردنا أن نضيف أمراً رابعاً، فإننا نقول بأن أبا الفضل العباس كان مقدماً على الشهادة على بصيرةٍ نافذة. أن الحسين إمام هادٍ مهدي، ويصدق ذلك – أيها الإخوة الأعزة ويؤيده – أرجوزته الأخرى التي أنشدها وهو يهز سيفه في وجه المنافقين ويختطف به رؤوسهم، ويقول عازماً، مصمماً، مصراً مقسماً:
أقسمت بالله الأعز الأعظم
وبالحجون صادقاً.. وزمزم
وبالحطيم والفنا المحرم
ليخضبن اليوم جسمي بدمي
دون الحسين ذي الفخار الأقدم
إمام أهل الفضل والتكرم
وهكذا كان العباس – كما وصفه الإمام الصادق عليه السلام: "كان عمنا العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان ، وكما أبنه في زيارته عليه السلام قائلاً يخاطبه: أشهد وأشهد الله أنك مضيت على مامضى عليه البدريون المجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابون عن أحبائه.فجزاك الله أفضل الجزاء، وأكثر الجزاء، وأوفر الجزاء، وأوفى جزاء أحدٍ ممن وفى ببيعته، واستجاب له دعوته، وأطاع ولاة أمره وأشهد أنك بالغت في النصيحة وأعطيت غاية المجهود، فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، أشهد أنك لم تهن ولم تنكل وأنك مضيت على بصيرةٍ من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيين. وهكذا تجاذبت – أيها الاخوة الأحبة – شمائل أبي الفضل العباس وخصاله وصفاته وأوصافه.. من الغيرة والبصيرة، وبذل الجهد والنصرة، والصدق والمواساة والوفاء، والثبات والتضحية حتى الشهادة … وقد سمع – وهو يقاتل الغدرة ويكشفهم عن المشرعة – منشداً أرجوزته:
أقاتل القوم بقلب ٍ مهتدي
أذب عن سبط النبي أحمد
أضربكم بالصارم المهند
حتى تحيدوا عن قتال سيدي
إني أنا العباس ذو التودد
نجل علي المرتضى المؤيد
فالامر عند أبي الفضل العباس عليه السلام قتال ولكن عن بصيرة، وجهاد ولكن دفاعاً عن حريم الرسالة والنبوة والامامة، وعزة وهي إرث شريف عن محتدٍ شامخ، فالعباس هو ابن سيد الأوصياء، وحفيد شيخ البطحاء، نعم أنه حفيد أبي طالب ٍ الذي " لو ولد..الناس كلهم لكانوا شجعاناً – كما روي عن رسول الله صلى الله عليه واله، فهو من نسل أشجع الناس، وآنفهم، وأعزهم، وأهداهم وأكرمهم.. لم يدخل الذل ّلا الى بيته، ولا الى نفسه، ولم تحدثه سريرته يوماً بالانكسار أو الاستسلام، أو التشبث بالحياة على كل حال، ولوقطع، ولم تشته الحياة نفسه الزاكية ولو أقبلت عليه وهو يرى إمامه وحرائر الرسالة في حرجٍ وضيقٍ وظمأٍ ممض.. فركب جواده وقد حمل القربة، فأحاط به أربعة آلاف ٍ يرمونه بالنبال، فلم ترعه كثرتهم، وأخذ يطرد الجحافل وحده ولواء الحمد يرف على رأسه، ولم يشعر القوم أهو العباس يجندل الأبطال، أم ان الوصي علياً يزأر في الميدان فلم تثبت له الرجال، حتى كشفهم جميعهم ونزل الى الفرات مطمئناً، واغترف شيئاً من الماء ليحرم منه نفسه الوفية حين يتذكر عطش الحسين وعياله، فرمى الماء يأباه وهو يقول يخاطب نفسه بهذه الأرجوزة التي خلدت، وعلى مدى القرون أنشدت:
يانفس من بعد الحسين هوني
وبعده لاكنت أو تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين بارد المعين؟!
تالله ما هذا فعال ديني
ولافعال صادق اليقين
أيها الاخوة والاخوات:كثيرة هي القيم التي تضمنتها هذه الأشعار الخالدة التي ارتجز بها قمر بني هاشم العباس عليه السلام في ملحمة الطف لكننا نلخص أهم القيم التي سجلتها بالنقاط التالية: أولاً: بعث روح الغيرة على المقدسات الاسلامية في قلوب المؤمنين من خلال القسم بها وأعلان أن هدف الجهاد الذب عنها. ثانياً: التأكيد على أن جهاد المؤمنين ينبغي أن يكون عن بصيرة ايمانية وتمسكاً بالامامة الالهية الحقة. ثالثاً: التأكيد على أن يكون جهاد المؤمن مقترناً بالتودد للناس لأن الجهاد الصادق هو المتضمن للدفاع عن صالحهم وخيرهم. ولنا أيها الاعزاء وقفة أخرى مع أبيات أخرى ارتجز بها أبو الفضل والوفاء يوم عاشوراء تأتيكم في الحلقة المقبلة من برنامجكم هدير الملاحم الذي نقدمه لكم من اذاعة طهران شكراً لكم والسلام عليكم.