المقدمة
قال فتى الحسين مولانا علي الاكبر عليه السلام وهو يقارع عساكر الباغين على آل المصطفى صلى الله عليه وآله في ملحمته يوم عاشوراء:
أنا علي لاأقول كذبا
أتبع جدي المصطفى المهذبا
أضربكم بالسيف ضرباً معجبا
ضرب غلامٍ لايريد الهربا
وقال – سلام الله عليه
الحرب قد بانت لها حقائق
وأظهرت من بعدها مصادق
والله رب العرش لانفارق
جموعكم أو تغمد البوارق
وقال أسوة فتية الايمان:
أضربكم بالسيف حتى يفلل
ضرب غلام هاشمي بطل
أطعنكم بالرمح وسط القسطل
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله في الاولين والآخرين، وأزكى صلواته على نبيه المصطفى وآله الهداة الطيبين السلام عليكم – أعزتنا واخوتنا المؤمنين – ورحمة الله وبركاته، آجركم الله تعالى وآجرنا بمصابنا بالحسين وآل الحسين، الذين بذلوا مهجهم الشريفة دون أبي عبدالله الحسين، بعد أن أبلوا بلاءً حسناً بين يدي الحسين وكان من ذلك تحديهم ونزولهم الى ساحة الوغى فرادى يواجهون المئات والآلاف، نصرةً لرسالة سيد الانبياء، ودفاعاً عن حريم امامة سيد الشهداء، وقد دوت أصواتهم تزمجر شجاعةً وعزةً واباءً في صيغٍ شعرية تعرف بأراجيز الحرب، بوركت اذ صدعت بهيبة الاسلام وعظمته، والثبات على دين الحق وشرعته فالاسلام لم يحارب الشعر يوماً ما وانما ذم بعض أغراضه الفاسدة التي أثارت الظلم والفتن والكبر والضغائن، وذم أصحابه اذا اتخذوه هدفاً للتفاخر واحتقار الأخرين، فدعا الى أغراض شريفة نزيهة، وأراد أن يوظف وسيلة ً الى الخير والكرامة الانسانية. وهكذا أصبح في الاسلام، فسما الشعر على لسان أمير المؤمنين علي _عليه السلام_ في أراجيز بطولاته ومجاهداته الظافرة، وكذا سما في أفواه شهداء طف كربلاء، ودوى في سماء يوم عاشوراء، حين نزل به رجال ثبتوا وتثبتوا، بل وثبتوا أصحابهم، فأنشدوا أراجيز الشجاعة يصعقون بها قلوب الغدرة والناكثين والمرتدين، ويصكون بها أسماعهم، فيعلمونهم أن ولاية آل محمد أجل من أن تذل، وأعز من أن تستسلم، ولو قطعت دونها الأبدان إرباً ارباً، كما وقع ذلك لمهجة قلب الحسين، علي الاكبر (على أبيه وعليه أفضل الصلاة والسلام). ومن هو الأكبر يا تري.. إنه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم، نشأ في بيت الوحي والكرامة، فطفحت عليه لوائح العز والشهامة، ولاحت على أساريره المباركة أنوار الفضيلة، وتدفقت من جوانبه جذبات الشجاعة النبوية – العلوية – الحسينية.. وقد تلفع بكل خصال الخير والشرف الباذخ والمجد الأثيل، وتزيا بحلل المآثر الحميدة، والأرومة التليدة، حتى قال فيه الشاعر الأديب:
لم تر عين نظرت مثله
من محتفٍ يمشي ومن
لايؤثر الدنيا على دينه
ولايبيع الحق بالباطل
إنه سلسل الأمجاد والمآثر، ووريث الفضائل والمناقب والمفاخر، وحفيد الوصي المرتضى علي بن أبي طالب، فلابد أن تتجلى في شخصه المبارك مهابة العز والإباء، وسطوة المدافع عن حريم النبوة والامامة، فنزل الى ساحة الحرب مشهراً سيفه، ومطلقاً بهذه الأرجوزة الشامخة لسانه، يسمع بها أعداءه المنكفئين على الباطل:
أضربكم بالسيف حتى يفلل
ضرب غلامٍ هاشمي ٍ بطل
أطعنكم بالرمح وسط القسطل
والقسطل: هو الغبار الساطع في المعركة. وكأن الأكبر علياً سلام الله عليه حينما أقبل على ساحة الجهاد، تقدم يمثل الحسين أباه، بل يمثل جده المرتضى والحسين أباه، وذلكم حينما نادى بالقوم معرفاً بنفسه النفيسة ونسبه الطاهر في أرجوزته:
أنا علي بن الحسين بن علي
من عصبةٍ جد أبيهم النبي
نحن وبيت الله أولى بالوصي
من آل بيت الهاشمي اليثربي
ولم يكتف الأكبر علي بن الحسين بذلك، فهو قد نزل يمثل بشجاعته الشجاعة الهاشمية – الطالبية – العلوية – الحسينية، فقد قاتل الفرسان الشجعان وهو شاب في عز شبابه، فرجع الى أبيه يطلب قطراتٍ من الماء يتقوى بها على مواجهة القوم ومواصلة القتال من جديد، فلم يجد ما طلب، فعاد يعلن اصراره على المضي رغم الظمأ الممض، فصاح بأرجوزته هذه:
الحرب قد بانت لها حقائق
واظهرت من بعدها مصادق
والله رب العرش لانفارق
جموعكم أو تغمد البوارق
وكان القوم ينتظرون تسليماً، أو تنازلاً فاذا بهذا البطل عاد أشد مما كان عليه متماسكاً في جنانه، صادعاً بالثبات بقلبه ولسانه ! وأراد القوم استغلاله، ثم اذلاله، فاصطدمت رؤوسهم بصخرة العزة العلوية، فناداه مناديهم: ان لك رحماً بيزيد ( أي من طرف والدته ليلي)، فاجابه بنبرةٍ رزينة رافضة: "لقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله أحق أن ترعى من قرابة يزيد". ثم شد الأكبر عليهم يقطعهم بسيفه، أجل..رجع الى الميدان مبتهجاً ببشارة أبيه الذي اعتذره عن الماء:" ماأسرع الملتقى بجدك فيسقيك شربةً لاتظمأ بعدها" فزحف فيهم زحفه العلوي المعروف، وغبر في وجوه القوم، فلم يشعروا أهو الأكبر يطرد الجحافل من أعدائه، أم أن الوصي علياً يزأر في الميدان، حتى أكمل المئتين – كما ذكر الخوارزمي الحنفي في (مقتل الحسين عليه السلام)..هذا وعين أبي عبد الله الحسين تلاحق ولده، حتى لم يتمالك دون أن يرخيهما بالدموع، وقد انقبض قلبه الطاهر على ولده، ينتظر أن يهوي على القوم بسيفه، أو يهوون عليه بسيوفهم ورماحهم! حتى انطلقت تلك الأرجوزة الأكبرية وسط المعركة تتحدى القتلة المجرمين، وتسر الأب الرفيق وهو يرى ولده ذا همةٍ وبسالة ٍ وشجاعةٍ واباء، وأدب ٍ رفيع، وكلامٍ بليغٍ بديع، يظهر مفرداً بشخصه بطلاً متحدياً وسط الأعداء، ثم يصدع فيهم بما يهديء قلوباً مضطربة للعلويات خلف أستار الخيام، ولو لدقائق ولحظات قائلاً:
أنا علي لا أقول كذبا
اتبع جدي المصطفى المهذبا
اضربكم بالسيف ضربا معجبا
ضرب غلامٍ لايريد الهربا
كان ذلك في حملته الأخيرة.. وماهي الا دقائق من العز قلائل مرت حتى سجد ديوان الكرامة على ذلك الجسد المقطع، ليكتب له لوحة الشرف بالدم الزاكي للشهيد الطاهر الزكي.
أيها الأخوات والإخوة:وكما تلاحظون في نصوص الأشعار التي ارتجز بها فتى الحسين مولانا علي الاكبر – عليه السلام – فانها مفعمة بتجليات القيم الالهية نلخص أهمها فيما يلي:
أولاً: الاتباع العملي للنبي المصطفى – صلى الله عليه واله – يتبين صدقة عندما يظهر على سلوكه المؤمن في جميع الأوضاع والصعاب مهما كانت صعبة. ثانياً: الاستقامة على الدين الحق تحتاج الى الوعي بحقائق الحياة ومعرفة أهل الدين الحق وتميزهم عن أعدائه. ثالثاً: ان من مظاهر الايمان الصادق وعلاماته تجلي الشجاعة المحمدية العلوية في المؤمن وهو يقارع أعداء الدين الحق. جعلنا الله اخوتنا المستمعين اذاعة طهران واياكم من المتأسين بأخلاقيات مجسدي ملاحم الايمان الصادق … اللهم امين انتهى أحباءنا لقاؤنا بكم ضمن حلقة اليوم من برنامج هدير الملاحم قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية الى لقاء مقبل نستودعكم الله والسلام عليكم.