نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها: دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: "يا من هو بمن رجاه كريم، يا من هو بمن عصاه حليم، يا من في عظمته رحيم... الخ"... هذه الفقرات الثلاث من مقطع الدعاء، تتناول عظمة الله تعالى في رحمته التي لا حدود لها،... انها تتحدث عن كرمه تعالى وحلمه تعالى ورحمته بها تعالى... وسنوضح الآن كلاً من هذه المفردات الثلاث ونبدأ ذلك اولاً بمفردة (يا من هو بمن رجاه كريم)... فماذا نستلهم؟
*******
الرجاء هو: ان تلتمس من الله تعالى بأن يحقق لك ما تأمله من الاشباع لحاجاتك... يستوي في ذلك ان يكون الرجاء: مزيداً من الاشباع او تجاوزاً عن الذنب، اي: قد تطلب من الله تعالى ان يوفقك للطاعة، وقد تطلب منه ان يغفر لك المعصية،.. انه تعالى كريم في الحالات جميعاً،... بيد ان الملاحظ ان فقرة "يا من هو بمن رجاه كريم" قد اعقبتها عبارة "يا من هو بمن عصاه حليم"... فماذا نستخلص من هذه الملاحظة؟... اي: ان قارئ الدعاء يتسائل: ما هو السر الكامن وراء التأكيد على ظاهرة حلم الله تعالى حيال عبده العاصي: مع ان الرجاء يشمل – كما قلنا – تحقق الطاعة والتخلص من المعصية؟ الجواب: من الواضح، ان ترك الذنب اولى أو أشد اهمية من العمل المندوب مثلاً حيث ان المزيد من الطاعة يأخذ دلالة بعد تحقق الطاعة الاعتيادية، اي: ترك المعصية وممارسة الواجب،..من هنا، فان الحديث عن تجاوزه تعالى عن معصية العبد يأخذ اولويته وفق ما ذكرناه، وهو يفسر دلالة توجه الدعاء الى ان يطلب قارئ الدعاء غفران الذنب، متجسداً في التأكيد علم (حلم) الله تعالى حيال عبده العاصي.
*******
بعد ذلك نواجه عبارة "يا من هو في عظمته رحيم"... فما هي صلة هذه العبارة بما سبق؟ الجواب: من البين، ان الله تعالى حينما يحقق رجاء عبده في تحقق الطاعة وتجنب المعصية أو التجاوز عنها، حينئذ فان "الرحمة" تظل هي المفسر لهذا النمط من العناية الالهية بعبده، وهو ما يفسر مفردة "عظمته" تعالى، اي: ان الله تعالى "عظيم" في الصفات جميعا، في القدرة، والابداع، والعلم، والارادة،... الخ، ومنها: من "الرحمة"، وهذه العظمة في الرحمة هي المفسرة لنا مدى ما نرجوه من الله تعالى من الرعاية، سواء اكانت الرعاية متجسدة في التجاوز عن خطيئاتنا أو التوفيق للمزيد من طاعتنا.
*******
بعد ذلك نواجه مفردات تتصل بحكمته تعالى وبعلمه، وبقدمه في الاحسان، وهي صفات من عظمته تعالى، نحدثك عنها في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
*******
ختاماً: نسأله تعالى ان يرعانا بعظمة رحمته، وان يوفقنا الى الطاعة، والنصاعد بها الى النحو المطلوب.