نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا ذا البطش الشديد، يا ذا الوعد والوعيد، يا من هو الوليّ الحميد، ...).
هذه العبارات متفاوتة في دلالتها، ولكن في الآن ذاته متجانسة او متزاوجة هو: تضاد أو تماثل في الخطوط المشتركة، المهم: يعنينا ان نحدثك الآن عن كل منها ونبدأ اولاً بالحديث عن عبارة (يا ذا البطش الشديد). فماذا نستلهم منها؟
سبق ان كررنا ان الحديث عن مظاهر عظمة الله تعالي لا تنفصل عن رحمته، او لنقل: ان الرصد لصفات الله تعالي (كالقوة او القدرة) مثلاً تقتادنا الي النظر من زاوية رحمته تعالي، بحيث نقرأ الآية المباركة «فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ» حينما ترد في سياق«وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ» كذلك ترد في سياق «يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ»، وهذا يعني: ان القدرة والرحمة كلتيهما لا تنفصلان وفي ضوء هذه الحقيقة نتجه الي عبارة (يا ذا البطش الشديد) لنلاحظ بانها تعني: انه تعالي يأخذ عدوه بصولة وبشدة، وهي صفة تفصح عن عظمته تعالي في ميدان القدرة او العتاب، مقابل عظمته تعالي في ميدان الرحمة.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا ذا الوعد والوعيد) وهي عبارة تحفل ببعد بلاغي فائق ومدهش، فهي من حيث الايقاع تخضع الي ظاهرة التجانس الصوتي، متمثلاً في حروف الواو والعين والدال، ومن حيث الدلالة تخضع الي التجانس الموضوعي سواء اكان التجانس من خلال التضاد او التجانس من خلال التماثل، فهنا نلاحظ تضاداً بين (الوعد) و (الوعيد)، اما الوعد فيتداعي بذهن القارئ للدعاء الي الثواب، بينما (الوعيد) يتداعي بالذهن الي (العقاب) وهذه الجمالية في الايقاع والدلالة تقتادنا الي تكرار الملاحظة التي عرضناها قبل قليل وهي ان الوعد والوعيد يصبان في الدلالة المشتركة لعظمة الله تعالي، والمهم هو: ان قارئ الدعاء يتداعي بذهنه من خلال (الوعد) بان الله تعالي يعد عباده بالخير تبعاً لقوله تعالي «رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ...»ويتداعي بذهنه من خلال الوعيد: الي الكف عن المعصية، والي التوبة، والي الطاعة. بعد ذلك نواجه عبارة (يا من هو الوليّ الحميد)، فماذا نستلهم منها؟
(الولي) يرشح بعدة دلالات، منها: الناصر وهذا ما يمكن ملاحظته في النص القرآني الكريم «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ» ومنها: الوليبمعني الاولي، وهذا ما استخدمه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عند نصب الامام علي (عليه السلام) وصياً في حادثة الغدير:(من كنت مولاه فعلي مولاه) ومنها: الولي بمعني المدبرّ القائم بشؤؤن الآخرين، وهذا من الوضوح بمكان، والمهم هو: ان العبارة المذكورة قد استخدمت كلمة (يا من هو الولي الحميد) تشير الي ان هذه التولية او الاولوية أو النصرة، تقترن بحمد المخلوقات له تعالي اي: انه تعالي يحمد في جميع الحالات بمعني انه تعالي المحمود الذي يستحق الحمد بفعاله.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من هو فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)، وهي عبارة تتطلب مزيداً من الاضاءة لدلالتها حيث نؤجل الحديث عنها الي لقاء لاحق ان شاء الله تعالي.
*******