بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد اذ رزقنا محبته ومحبة أوليائه الصادقين صفوته المطهرين محمد وآله الطيبين صلواته وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.
سلام من الله عليكم اخوتنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج واستنارة جديدة بالمقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف، حيث نقتدي بالنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) وهو يدعو ربه الجليل قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
أعزاءنا، في هذا المقطع يعرفنا الهادي المختار (صلى الله عليه وآله الاطهار) بواحد وعشرين امراً تشكل امهات العوامل التي تسلب الانسان السعادة وتوقعه في الشقاء في الدنيا والآخرة، لذلك فان التطهر منها والاستعاذة بالله لصرفها وسيلة المؤمن للفوز بالحياة الطيبة في الدارين.
وقد انتهى الحديث بنا في الحلقة السابقة الى العامل الرابع عشر منها وهو (المقت) فما هو المقصود منه؟
المقت في اللغة هو أشد البغض وقد خصصه بعض علماء العربية وهو الفراهيدي في كتاب العين بالبغض الذي يولده أمرٌ مستقبح من الممقوت، وهذا ما يميزه عن البغض الذي يمكن أن ينتج من مشاعر غير سليمة تجاه المبغوض رغم سلامته.
والمقت يكون تارة عند الناس، أي يمقت الاخرون الشخص نتيجة لفعال يستقبحونها منه لمخالفتها للدين أو للمروءة والقيم التي تحبها الفطرة السليمة.
وواضح أن كون الانسان ممقوتاً عند الناس ينغص عليه حياته اذ يجلب عليه جفوتهم وسوء معاملتهم له وإزدرائهم به فلا يعاملونه بالصورة التي يحبها.
وتارة ثانية يكون الانسان ممقوتاً عند الله عزوجل، والمقت اذا نسب الى الله عزوجل فهو من صفات الافعال وهي كما قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ج ۱۷ ص ٥۳ (معان خارجة عن الذات المقدسة غير قائمة بها ... وبغضه تعالى لاحد يعني انقباض رحمته منه وابتعادها عنه).
وهذا يعني مستمعينا الافاضل ان المقت عندالله جل جلاله يحرم الانسان من الالطاف والرحمات الالهية الخاصة ويسلبه التوفيق الالهي فهو يحجب الانسان عن ربه الكريم، وهذا بالطبع من اعظم اسباب الشقاء والحرمان من الحياة الطيبة السعيدة في الدنيا والآخرة.
وهنا - ايها الاحبة- نسأل ما هي الاسباب التي تجلب على الانسان مقت الله عزوجل، والتي ينبغي ان نتنزه عنها ونتطهر منها ونطلب من الله جل جلاله ان يصرفها ويبعدها عنا كما يأمرنا بذلك حبيبنا النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله)؟
للإجابة عن هذا السؤال نرجع أولاً الى القرآن الكريم، فنجده يذكر ثلاثة اسباب رئيسة تجلب للانسان المقت الالهي.
الاول هو الصدود عن الحق وعدم القبول به وبالتالي الكفر بمختلف مراتبه الظاهرة الصريحة او الخفية مثل كفر النعم وعدم شكرها وعدم قبول كلمة الحق مهما كانت، قال الله تبارك وتعالى في الآية ۳۹ من سورة فاطر: «هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً».
وقال اصدق القائلين في الآية العاشرة من سورة غافر: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ».
اما السبب الثاني لاستجلاب المقت الالهي فهو المجادلة العنادية عن غير علم في الآيات الالهية أي العلامات الظاهرة والحقائق البينة بعد ظهورها، قال الله جل جلاله في الآية ۳٥ من سورة غافر: «الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ».
وفي هذه الآيات اشارة الى الجدال في الآيات الالهية يسبب للمجادل مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وعند المؤمنين ايضاً كما ان هذه الآية الكريمة تشير الى ان علة المجادلة عن غير علم في الآيات الالهية تكمن في التكبر الذي يعمي قلب المتكبر عن رؤية الحقائق فيجادل فيها.
ايها الاكارم اما السبب الثالث الذي يجلب على الانسان المقت الالهي فهو الذي تشير اليه الآيتان الكريمتان الثانية والثالثة من سورة الصف حيث يقول الله أصدق القائلين: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ».
اذن فتناقض اقوال المؤمن مع افعاله، من الامور التي تجلب له مقت الله عزوجل، فينبغي له ان يتطهر من ذلك، فلا يقول شيئاً لا يستطيع فعله.
هذه اعزاءنا هي الاسباب الرئيسة الثلاث التي ذكرتها الآيات القرآنية من العوامل التي تستجلب مقت الله عزوجل والحرمان من رحماته والطافه الخاصة، وقد عرفتنا الاحاديث الشريفة بمصاديقها وبأسباب اخرى تستجلب المقت الالهي ننقل نماذج منها باذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة). ختاماً نجدد لكم خالص الدعوات من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ودمتم بالف خير.