بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد مجيب الدعوات وكاشف الكربات تبارك وتعالى أرحم الراحمين وأزكى صلواته الناميات وتحياته المترادفات وبركاته الدائمات على صفوته الهداة حبيبه المصطفى الامين وآله الطيبين الطاهرين.
سلامٌ من الله عليكم احبتنا، واهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نتابع فيه معاً طلبنا للرحمة الربانية من خلال التأمل في فقرات دعاء الحجب الشريف، وقد انتهينا الى مقطعه الختامي وفيه يعلمنا حبيبنا الهادي المختار صلوات ربي عليه وآله الأطهار ان نتوجه الى الله طالبين منه عزوجل أهم المطالب التي بها صلاح حياتنا فنقتدي به (صلى الله عليه وآله) وهو يدعو ربه قائلاً:
(اسئلك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تصرف عني وعن اهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاكارم بلغ بنا الحديث الى فقرة: (وان تصرف عني وعن اهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جميع الآفات والعاهات).
وحزانة الرجل هم اهله وعياله الذين يتحزن لهم اي الذي يهمه امرهم، والدعاء للاهل والعيال من واجبات الانسان تجاههم وحقوقه عليهم، وهو من مصاديق العمل بوصية رسول الله )صلى الله عليه وآله( في الاحسان للاهل والعيال وطلب الخير لهم وقد تضمنتها كثيرٌ من الاحاديث النبوية نظير قوله (صلى الله عليه وآله): (خيركم خيركم لأهله وانا خيركم لاهله).
والدعاء من اسمى مصاديق ايصال الخير للاهل وهو من سنة الانبياء (عليهم السلام) كما اشارت لذلك عدة من الآيات الكريمة وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يخص عموم عشيرته بالدعاء، فقد روي في كتاب أمالي الطوسي عنه (صلى الله عليه وآله) قال: (يا بني عبدالمطلب اني سألت الله لكم ان يعلم جاهلكم وان يثبت قائمكم وان يهدي ضالكم وان يجعلكم نجداء جوداء رحماء، ...).
وقد خصص الامام زين العابدين (عليه السلام) الدعاءين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من ادعية صحيفته السجادية المباركة لوالديه وولده اضافة الى فقرات كثيرة من الدعاء لاهله متناثرة في ادعيته الاخرى.
ويستفاد من نصوص الادعية الشريفة المروية عن اهل بيت الرحمة المحمدية (عليهم السلام) التاكيد على اشراك الاهل والعيال ومن يهم المؤمن امره خاصة في ادعية دفع الشرور والاستعاذة بالله عزوجل منها، والطلبات المذكورة في دعاء الحجب الشريف هي من هذا النوع، اذ ان الدعاء يعلمنا ان نطلب من الله عزوجل ان يصرف عنا جملة من الامور تمثل العقبات الرئيسة التي تحرم الانسان من الحياة الكريمة الطيبة مادياً ومعنوياً كما سنفصل الحديث عنه ذلك في الحلقة المقبلة باذن الله تبارك وتعالى.
واضافة للدعاء للاهل والعيال يعلمنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) في دعاء الحجب الشريف ان نطلب لجميع المؤمنين والمؤمنات ما نطلبه لانفسنا وعيالاتنا واهلينا. وهذا ايضاً من اهم آداب الدعاء التي اكدتها النصوص الشريفة بل والآيات الكريمة تصرح انه من سنن الانبياء (عليهم السلام) وانه من الوسائل المضمونة لاستجابة الدعاء، وانه من حقوق المؤمنين على اخوانهم.
فمثلاً حكى الله تبارك وتعالى انه كان من دعاء ابراهيم الخليل (عليه السلام) قوله كما في الآيتين ٤۰و٤۱ من سورة ابراهيم: «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ».
وروي عن مولاتنا فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كما في حديث الامام الحسن المجتبى (عليه السلام) انها كانت تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، فسألها الحسن عن ذلك، فقالت: يا بني الجار ثم الدار.
وروي في كتاب قرب الاسناد عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) قال: (ان دعاء المؤمن لاخيه بظهر الغيب مستجاب ويدر الرزق ويدفع المكروه).
وروي في كتاب فلاح السائل عن عبدالله بن سنان قال: مررت بعبد الله بن جندب فرأيته قائماً على الصفا وكان شيخاً كبيراً، فرايته يدعو ويقول في دعائه: اللهم فلان ابن فلان، اللهم فلان ابن فلان [اي يدعو للمؤمنين باسمائهم]... ما لم احصهم كثرة قال ابن سنان: فلما سلم قلت له: يا عبدالله لم ار موقفاً قط احسن من موقفك، الا اني نقمت عليك خلة واحدة.
فقال لي: وما الذي نقمت علي؟
فقلت: تدعو للكثير من اخوانك ولم اسمعك تدعو لنفسك شيئاً.
فقال لي: يا عبدالله سمعت مولانا الصادق (عليه السلام) يقول: (من دعا لاخيه المؤمن بظهر الغيب نودي من أعنان السماء: لك يا هذا مثل ما سالت في اخيك ولك مئة الف ضعف مثله).
قال ابن جندب: فلم احب ان اترك مائة الف مضمونة بواحدة لا ادري تستجاب ام لا.
وروي باسانيد كثيرة عن الائمة (عليهم السلام) انهم قالوا: (من قال في كل يوم خمساً وعشرين مرة: اللهم اغفر لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ والمسلمين والمسلمات، كتب الله له بعدد كل مؤمن مضى وبعدد كل مؤمن بقي الى يوم القيامة حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة).
اذن فالمستفاد من فقرة اليوم من دعاء الحجب الشريف هو أن الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) يعلمنا فيها ان لا نقتصر على ان نطلب من الله عزوجل ان يصرف الشرور عن انفسنا فقط بل نشرك معنا في ذلك كل من يهمنا امره من الاهل والعيال وجميع المؤمنين والمؤمنات بصيغة مطلقة تشمل من نعرفهم ومن لا نعرفهم؛ لتعم الرحمة الالهية الجميع وتضمن استجابة الدعاء.
وبهذه النتيجة نختم لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله اعمالكم ودمتم بكل خير.