بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته الغابون في غرب أفريقيا، ووضع الرئيس علي بونغو قيد الإقامة الجبرية، دعت وزارة الخارجية الصينية الأطراف المعنية في الغابون إلى "العودة للنظام الطبيعي فوراً وضمان سلامة الرئيس علي بونغو".
تعد الغابون واحدة من أكثر الدول ازدهاراً في أفريقيا، وتحتل مرتبة عالية في مؤشر التنمية البشرية في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وتمتلك ثروة نفطية كبيرة. لذلك، أطلق عليها لقب "عملاق النفط الأفريقي". كما تمتلك ثاني أكبر مخزون من المنغنيز في العالم، وهي حالياً ثالث أكبر منتج له عالمياً، وتتوفر فيها ثروات معدنية هائلة من الحديد والذهب والألماس واليورانيوم.
ونظراً إلى غناها بالموارد الطبيعية، ولا سيما المنغنيز، فقد أثارت اهتمام بكين التي عملت خلال السنوات الأخيرة على تطوير علاقتها معها ضمن إطار مشروع "الحزام والطريق" التي انضمت إليه ليبرفيل عام 2018.
يتمتّع الرئيس الغابوني المعزول علي بونغو بعلاقة جيدة مع المسؤولين الصينيين، فقد وصفه الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه "صديق قديم للشعب الصيني"، وأشاد أيضاً "بالإنجازات المهمة" التي حققها في مجال التنمية.
ونظراً إلى المكانة الشخصية للرئيس بونغو لدى الصين وأهمية العلاقات الصينية الغابونية، فقد كان أول رئيس يستقبله الزعيم الصيني شي بعد إعادة انتخابه رئيساً للصين لولاية ثالثة في شهر آذار/مارس الماضي.
منذ أن أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والغابون عام 1974، تبادل المسؤولون من كلا البلدين الزيارات؛ فقد قام الرئيس الغابوني السابق عمر بونغو بزيارة الصين 11 مرة خلال فترة رئاسته التي دامت 41 عاماً، كما زار ابنه الرئيس المعزول علي بونغو الصين 5 مرات منذ توليه الرئاسة عام 2009.
وساهمت هذه الزيارات في تعزيز العلاقات بين البلدين، إذ أصبحت الصين أكبر شريك تجاري للغابون لمدة 9 سنوات متتالية حتى عام 2022، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2022 نحو 4.5 مليار دولار أميركي، بزيادة أكثر من 50% على أساس سنوي.
وخلال زيارة الرئيس علي بونغو للصين في شهر نيسان/أبريل الماضي، تم الاتفاق على رفع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. وبذلك، أصبحت الغابون الدولة الأفريقية الـ11 التي تقيم هذا المستوى من العلاقات مع بكين.
للغابون أهمية كبيرة بالنسبة إلى الصين التي تستورد منها بشكل أساسي النفط والأخشاب ونحو 22% من احتياجاتها من خام المنغنيز. وبالنسبة إلى الغابون، فهي تصدر إلى الصين نحو 60.8% من النفط الخام، و31.7% من المنغنيز، و6.3% من الخشب.
كما تهتم الصين بالموارد الخضراء في الغابون التي تغطي الغابات نحو 85% من مساحتها الإجمالية. وتنشط الاستثمارات الصينية في قطاع الغابات في الغابون، إذ تدير الشركات الصينية أكثر من 6 ملايين هكتار من الغابات في البلاد.
خلال السنوات الماضية، استثمرت الصين في الغابون في قطاع التعدين في مقابل بناء البنى التحتية ودعم مشروعات التنمية فيها. مثلاً، موّلت مع الحكومة الغابونية مشروع بناء طريق يربط ميناء "Gentil" بأنحاء أخرى من الغابون، كما منحتها قرضاً لبناء سدين لتمويل الطاقة الكهرومائية.
ومؤخراً، وقعت شركة "Genmin" مذكرة تفاهم مع شركة صينية تابعة لشركة "هونان فالين" (Hunan valin) للصلب لتوريد خام الحديد من الغابون لمدة عامين. وسبق للشركة أن وقعت عامي 2021 و2022 مذكرتي تفاهم غير ملزمتين مع شركات صينية لتوريد خام الحديد.
لغاية الآن، لم يؤثر انقلاب الغابون في الصين، ولا سيما في مجال النفط. وبحسب التقرير الصادر عن شركة "إنرجي أوتلوك أدفايزرز"، لم تستورد الصين أي نفط من الغابون خلال شهر آب/أغسطس 2023، ولكن مما لا شك فيه أن استمرار الأوضاع الأمنية المضطربة في الغابون سيؤثر في الاستثمارات الصينية؛ فحالياً، تستثمر الشركات الصينية في قطاعات مختلفة في الغابون، منها النفط والمنغنيز والأخشاب والحديد والذهب والبنى التحتية وصيد الأسماك وغير ذلك.
ومن شأن استمرار اضطراب الأوضاع الأمنية أن يؤثر في تنفيذ الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين خلال زيارة الرئيس المعزول علي بونغو لبكين العام الحالي، والتي تتناول التعاون في مجالات مختلفة، ولا سيما الاستثمار والزراعة والإسكان والبناء الحضري وتغير المناخ، لحين استتباب الأمن وتولّي رئيس جديد رئاسة البلاد.
وكان الجانبان قد بدآ بالفعل التشاور والتعاون في القضايا التي تم الاتفاق عليها. مثلاً، زار وزير الإسكان والتنمية الحضرية والريفية الصيني الغابون خلال شهر حزيران/يونيو، وعقد لقاءات مع المسؤولين لتعزيز التعاون في قطاع الإسكان والتخطيط.
تراقب الصين تطور الأوضاع الأمنية والأحداث في الغابون من كثب، لما في ذلك من تأثير في مصالحها واستثماراتها ومواطنيها هناك أولاً في حال تدهور الأوضاع الأمنية، وثانياً في مصير العلاقات الغابونية الصينية عند وصول رئيس جديد إلى السلطة؛ فالرئيس المعزول بونغو كانت تربطه بالصين صداقة وطيدة، وكانت بكين تسعى إلى تعزيز علاقتها مع ليبرفيل ومساعدتها في خطتها لتنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على النفط. ومن ناحية أخرى، قد يتولى الحكم رئيس جديد يبتعد عن المعسكر الغربي، ولا سيما فرنسا، ويتقرب من المعسكر الشرقي، أي روسيا والصين. وفي الحالتين، لن تكون الصين خاسرة.
* تمارا برو - أستاذة محاضرة في الجامعة اللبنانية وباحثة في الشأن الصيني