لا أَدري كمْ تَعرفونَ السيدَ مرتضى آويني. كانَ شاباً مُفعماً بالحيويةِ، مولِعاً بإدراكِ الغربِ وفلسفتِه، وقبلَ الثورةِ الإسلاميةِ الإيرانيةِ، تَخَرَّجَ من جامعةِ الفنونِ الجميلةِ قسمِ الهندسةِ المعماريةِ. تَزامنَ انفصالُه عنِ الجامعةِ مع بدءِ الحربِ المفروضةِ التي شَنَّها النظامُ العراقيُّ البائدُ على إيران، وقد تَمَكَّنَ من مواصلةِ فرعِه الدراسي خلالَ الحربِ، ولكن ليسَ عبرَ الموادِ الجامعيةِ. لقد أصبحَ فنُّه الجميلُ يَتجَسَّدُ في السردِ الروائي لنقطةِ التَّحَوُّلِ التاريخيةِ للشَّعبِ الإيراني عندما واجَه بِكُلِّ بَسالةٍ الاعتداءَ الصدامي المُدَجَّجِ بأحدثِ المُعّداتِ المُستَعارةِ من الاستكبارِ العالمي. لقد التَحَقَ بمَدرَسةِ الحبِّ من جديدٍ، وتَمَكَّنَ من إيصالِ حكايةِ التَفاني التي جَسَّدَها أنصارُالحسين (عليه السلام) مقابلَ جيشِ يزيد بما أتْقَنَهُ من فنِّ التصوير، خطوةً بخطوة، وخندقاً تِلوَ خندق. لقد تَمَّ بَثُّ أفلامِه الوثائقيةِ التلفزيونيةِ مراراً وتكراراً عبرَ التلفزيونِ الإيراني، فأعمالُه أَصبحتْ هي كصورِ إسرافيلَ بحيثُ أَوصلَتْ صدى الثورةِ الإسلاميةِ إلى أسماعِ الذينَ أَحبوا الثورةَ والإسلام.
يقولُ أنيس دوفيكتور الأستاذُ في جامعةِ السوربون الفرنسية في كتابِه البحثي عن الأعمالِ الشهيدِ آويني السينمائيةِ: "يُعَدُ عملُ مرتضى أيْ سلسلةُ وثائقيةِ "روايةُ الفتحِ" من السردياتِ الوثائقيةِ النادرةِ التي يُمكنُ مُشاهدتُها على شاشةِ السينما. يَجمَعُ مرتضي بصورتِه العرفانيةِ عن الحربِ بينَ الأرضِ والسماءِ، ويُشكِّلُ مصدراً قَيِّماً للتاريخِ العالمي لسينما الحرب".
آويني الذي تَعَلَّمَ كتابةَ السردِ في مدرسةِ الدفاعِ المقدس، وتَدرَّبَ في ورشةِ التضحيةِ والاستشهادِ، وأصبحَ قائداً لحربِ السردياتِ يُريدُ أنْ يَروي مَعالمَ جامعةِ كربلاء، اليومَ. حيثُ انتصارُ الدمِ على السيف، وحيث يَتردَّدُ صدى انتصارِه من تحتِ أنقاضِ الثواني والساعاتِ والأيامِ والسنينَ والقرونِ، ليَهمِسَ في آذانِ الناسِ. جامعةٌ كُتِبَ على بابِها ما قالَه الدكتورُ علي شريعتي:
"الراحلونَ قاموا بالعملِ الحسيني وعلى الباقينَ العملُ الزينبي، وإلاّ فهم من أنصار يزيد".
"قصة الفتح" هو كتابٌ سرديٌ يَروي فيه مرتضى مشهدًا آخرَ من مشاهدِ عاشوراء.
إنَّه يَدعوني لِيُخرِجَني من الريبِ والتيهِ ولِكي أتخذَ قراري للخلاصِ من النفس : "هيا تهيأوا فَقَد حانَ وقتُ الرحيلِ".أستقيمُ أكثرَ في جِلسَتي لأبدوَ مقبولاً أكثرَ. أتنَحنَحُ قليلاً. الشكُ لايُفارقنُي بعد. أذهبُ ؟ أم لا؟ أخوضُ معركةً مع نفسي. مثلُ كلِّ من سَمعَ همسةَ الانضمامِ إلى قافلةِ فتحِ الدم فوجدَ نفسَه في حربٍ مع نفسِه.. ماذا أفعلُ؟ هل أَلتحِقُ بقافلةِ الحسين (عليه السلام) أم أبقي؟
يقوم مرتضى بالنَّعيِ بصوتٍ عالٍ هذه المرة حتى أتمَكَّنَ من فهمِه بشكلٍ أفضلَ:
"العقلُ يَدعوني إلى البقاءِ والحبُ إلى الرحيل . وكلاهما أيْ العقلُ والحبُّ قد خَلقَهما اللهُ لِيُفسَّرَ وجودُ البشرِ في الحيرة بينَ العقلِ والحب: هل من ناصرٍ يَنصُرُني .. "
يَروي مرتضى كيفَ أنَّ حدةَ لسانِ الدَّمِ أشدُّ من حدَّةِ لسانِ السيف. يروي مرتضى أنَّ الأسدَ يَبقى أسداً، حتى لو حوصرَ أو أُسِر.
يَروي مرتضى أنَّ النصرَ ليسَ بالعددِ والعُدَّةِ، بل بوحدةِ الإرادات.
يَروي مرتضى لأنَّ هذه وظيفتُه. إنَّه راوٍ، ولكنَّه ليسَ مجردَ راوٍ يَرى المَشهدَ من بعيدٍ. كلّا! إنَّه مُلتزمٌ بِعملِه لدرجةِ أنَّه يَروي لكَ من أقربِ مكان، من وسطِ الميدان، ساحةِ المعركةِ. في المَشهدِ الأخيرِ من حياتِه، لا يَقوى على الابتعادِ عن قافلةِ الحبِّ، فيَتمَرَّغُ في دمِه، ويَغتَسلُ غُسلَ الشهادةِ ويُسَجِّلُ اسمَه في قائمةِ الحاضرينَ في مَشهدِ عاشوراء.
أقرأُ لَكم مقطعاً من الكتاب:
الرحيل! الرحيل!
أُنظُرْ الآنَ إلى الحيرةِ بينَ العقلِ والحبِ!
أُنظرْ الآنَ إلى حيرةِ العقلِ والشجاعةِ الحُب! دَعِ العقلاءَ يَدعونَنا إلى البقاءِ... يُدْرِكُ
سالكوا طريقِ الحبِّ أنَّ الَبقاءَ يَكمُنُ في الرَّحيلِ. الخلودُ لا يَتَحقَّقُ إلّا مع الرفيقِ الأعلى الذي يَدعونا نحوَ ذاتِه.
للشهيدِ السيد مرتضى آويني مؤلفاتٌ عديدةٌ أُعيدَ طبعُها مراتٍ عديدةٍ في إيران، منها كتابُ "قصة الفتح".
يَتكوَّنُ هذا الكتابُ من عشرةِ فصولٍ: بدايةُ الهجرةِ الكبرى / الكوفة / مُناظَرةُ العقلِ والحب / قافلةُ الحبِ في رحلةِ التاريخ / كربلاء / ناشئةُ الليل / تمييزُ الخبيثِ من الطيبِ (إتمامُ الحجة) / غِربالُ الدهر / كوكبُ الألم / مَنظَرُ السِّر.
قامتْ دارُ المودةِ للنشرِ في لبنان مؤخراً بترجمةِ كتابِ " قصة الفتح " إلى العربيةِ ونشرِه في لبنان.
لا نَنسي أنَّ لَقَبَ "سيدِ شهداءِ القلم" هو وسامٌ مَنحَهُ لَه قائدُ الثورةِ الإسلاميةِ آيةُ اللهِ السيدُ الخامنئي لمرتضي آويني بعدَ شَهادَتِه.
يمكنكم شراء روايةُ " السفينة الراسية " عبر :
https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb317849-308064&search=books
+
https://kotobon.com/book/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D8%AD/UlZFRUdUSWkzdW81RFVhd01IRTZkQT09