البث المباشر

الزرقاء بنت عدي الكوفية

الأحد 10 فبراير 2019 - 11:34 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 168

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
رحم الله الزرقاء بنت عدي الكوفية هذه من الصادقات او بالاحرى نقول في طليعة من صدق بما عاهد الله عليه في تفانيها وجهادها.
الحديث عن هذه المرأة المجاهدة حديث طويل وجميل وممتع ولكن خلال هذه الدقائق اجمل موضوعها. الزرقاء بنت عدي الكوفية من اهل الكوفة ومن النساء اللاتي ابلين بلاءاً حسناً في نصرة الامام امير المؤمنين ونصرة الامام امير المؤمنين مقياس خطير وامتحان عسير امتحن الله تعالى به المؤمنين في ذلك العهد وفي تلك البرهة.
مرت ترجمة هذه المرأة في اكثر من مصدر مثل بلاغات النساء والاعيان والخ، هذه المرأة بالاضافة الى جهادها، جهادها لم يكن جهاد بالسيف ولكن جهاد باللسان وجهاد بالتعبئه وشد ازر المقاتل وتريد الاهازيح وغير ذلك، فالمعروف عن هذه المرأة قبل كل شئ في جهادها بلاغة منطقها، من يراجع كتاب بلاغات النساء يلاحظ دور هذه المرأة الكبير يوم صفين، فمن مواقفها الغريبة انها خطبت خطبة بليغة تركت اثراً عميقاً في نفس معاوية والتي صارت سبباً لملاحقتها حتى بعد انتهاء الحرب بسنين ودون اسمها مع اسماء النساء اللاتي لعبن دوراً خطيراً وكان معاوية يسهر ويجهد في العثور عليها، يذكر في هذا اباب سعد الجمحي يقول: ان معاوية كان قد سهر ذات ليلة مع زبانيته الذين كانوا دائماً حوله فذكر الزرقاء بنت عدي الكوفية وكان معاوية قد خصص ميزانية خاصة من المال لمطاردة هذه العناصر سواء عناصر نسوية او عناصر رجالية وقتل الكثير منهم وشرد من شرد وسبى من سبى والخ، فلما ذكرها معاوية امام جلاوزته سألهم: ايكم يحفظ كلامها فقالوا: كلنا نحفظه يا امير، ثم اخذ كل منهم يطبق سوء محضره الخبيث وينقل لمعاوية جملاً من خطبها واذا بمعاوية تشبخ وتوتر وانتفخت اوداجه والتفت اليهم يستشيرهم، قال ما تشيرون عليّ؟ قالوا: نشير عليك بقتلها، لان هؤلاء كل واحد منهم يريد ان يترجم خباثة عنصره، فكتب معاوية الى عامله في الكوفة بأحضارها وفعلاً الوالي احضرها واشخصها موثوقة اليدين الى الشام الى معاوية فلما وصلوا بها الى الشام وادخلت عليهكان قد احاط به زبانيته فقال لها معاوية بغضب امام الناس والمجلس حاشد وهو يتفجر غيظاً، هل تعلمين لم بعثت اليك؟
قالت: سبحان الله انى لي بعلم ما لم اعلم! وهل يعلم ما في القلوب الاّ الله؟
قال لها: الست يوم صفين كنت تلركبين الجمل الاحمر وتوقدين نار الحرب وتحظين على القتال؟ ووالله انك شاركت علياً بكل دم سفكه!
واذا بهذه المرأة تعاملت بكل جرأة وهدوء، ردت عليه بابتسامة وسخرية وهي تقول: يا معاوية مثلك من يبشر بخير ويسر جليسه، والله اتمى ان اكون مثلما قلت وظننت! يا معاوية لقد مات الرأس وبتر الذنب والدهر ذو غيّر ومن تفكر ابصر والامر يحدث بعده الامر!
فقال لها معاوية: خبريني يا بنت عدي هل تحفظين كلامك يوم صفين، يبدو ان هذه الخطبة المهمة تركت بصمات جداً خطيرة في نفس معاوية.
قالت: لا، قال لها: ولكن انا احفظ ذلك كأني بك وقد سمعتك بنفسي تنادين ايها الناس انكم في فتنة غشيتكم جلابيب الظلم وجرت بكم عن قصد المحجة فيا لها من فتنة عمياء صماء، يسمع لقائلها ولا ينظر لسائقها، ايها الناس ان المصباح لا يضئ في الشمس وان الزف لا يوازن الحجر -الزيف ريش النعام- ولا يقطع الحديد الاّ الحديد الا من استرشدنا ارشدناه ومن استخبرنا اخبرناه، الا وان خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء فهبوا للحرب قدماً غير الناكصين فهذا يوم ليس بعده يوم، واستمر ومعاوية وكأنه اعد لهذه المحاكمة اعداداً كبيراً والمرأة تسمع وهو يعكس خطابها والمجلس حاشداً والصمت سيطر على المجلس واخذ معاوية يستمر ويروي مقاطع من خطبها، في طبيعة الحال كان من المفروض ان تنهار ولكنها بالعكس ابتهجت ابتهاجاً بدا عليها وصاحت: نعم يا معاوية لقد قلت ذاك واكثر!
قال: او تفخرين.
قالت: بلى.
فغضب معاوية من جسارتها على سلطانه وطيشه وكان يرد عليها وترد عليه وانتهى الامر الى جدال ساخن، فصاح معاوية: والله اني لا عجب من وفاءكم لعلي بن ابي طالب بعد موته بأكثر من عجبي لحبكم له في حياته، هذه الكلمة ترددت على لسان معاوية في اكثر من موقع، كان يشعر بهذه الحالة ان هؤلاء لم يكن ولاءهم لعلي ولاء شخصي او تأثر بطباع وانما المسألة مبادئ وقيم، والقيم لا تموت وان مات صاحبها وتبقى قائمة بأحقيتها لذلك لم يقل وفاءك لعلي بن ابي طالب بعد موته بأكثر من عجبي له بحبكم في حياته، ثم شعر معاوية بالانهزام فقلب الموقف وحاول ان يكيف الجو فقال: يا زرقاء اذكري حاجتك!
واذا بهذه المرأة تزداد شجاعة وضراوة قالت: يا معاوية والله لقد اليت على نفسي ان لا اسأل اميراً او غنياً او طاغية. لاحظوا ايها الاخوة الترفع وحالة الغنى النفسي والجرأة والشجاعة بحيث لا اسأل اميراً او غنياً او طاغية، يبدو ان معاوية بدأ يفكر في التخلص من هذه الازمة وراح يبحث عن وسائل لحفظ ماء وجهه، وذكر المؤرخون بأنه فجأة صاح بالشرطة المحيطين بها: اخلوا سبيلها، فخرجت وهي تمشي رويداً رويداً وعليها بهاء الولاء واثر الايمان، هذا المعنى تطبيق كامل لما اراده الامام الحسن(ع): وان اردت عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فأخرج من ذل معصية الله الى عز طاعة الله.
اورد صاحب المستطرف حديثها وذكر الزرقاء بأن هي من اشد الناس ولاءاً للامام امير المؤمنين وقال: ام ما فعله معاوية معها وجوابها في مجلسه يدل على انها من بيت جلاله وعظمة ولذلك تمنع معاوية بأن يخاطبها بكلام معتاد رخيص وغالباً ما كان معاوية يتعامل بكلام السفلة مع اصحاب امير المؤمنين والابطال والمجاهدين لكن مع هذه المرأة (الزرقاء) اظهر معها حلماً وكان ربما يخشى عاقبت الانتقام لانها كانت غير عادية امرأة ذات عشيرة تخاف ترجى.
رجعت الى الكوفة وهي تشرب نخب الانتصار على الطغاة وهذا الطاغية بالذات.
نسأل الله لها الرحمة والخلود في النعيم جزاء ولاءها الصادق لامير المؤمنين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة