البث المباشر

احلى الكلام -٥٦

الإثنين 21 يناير 2019 - 12:22 بتوقيت طهران

الحلقة 56

أحيي الأستاذ الجزائري بأحسن التحيّات وأطيبها مباركاً له دوام أحلى الكلام، وحبّ خير الأنام، وأسأله سؤالين: أحدهما في الشّعر، والأخر في النثر.
أمّا الأوّل، فهو من القائل: فحسبكم هاذا التّفاوت بيننا وكلّ إناء بالذي فيه ينضح؟
وأمّا سؤالي في النّثر، فهو: من القائل الحكيم: وإنّ أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحبّ إليه وإن زاده؟
حيّا الله الأستاذ الكريم الأخ عبدالله القنبر ورعاه، وله الشكر.
أمّا قائل هاذا البيت الحكيم، فهو الفقيه الشاعر الأديب الفصيح البليغ الفائق الخبره بأشعار العرب ولغاتهم أبو الفوارس سعد بن محمّد بن سعد بن الصيفيّ المتوفّى سادس شعبان سنة اربع وسبعين وخمس مئة.
ولبيته المسئول عنه وبيتين قبله حكاية طريفة.
فقد نقل المؤرخ الكبير الناقد النادر قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله في كتابه العظيم وفيات الأعيان، قال:
قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الصناعة بالمخزن- وكان من الثقات اهل السنّة: رأيت في المنام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقلت له: يا أمير المؤمنين، تفتحون مكّة، فتقولون: من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن، ثمّ يتمّ على ولدك الحسين يوم الّطفّ ما تم؟
فقال: أما سمعت أبيات ابن الصيفيّ في هاذا؟
فقلت: لا.
فقال: اسمعها منه.
ثمّ استيقظ، فبادرت إلى دار حيص بيص، فخرج إليّ، فذكرت له الرّؤيا، فشهق، وأجهش بالبكاء، وحلف بالله إن كانت خرجت من فمي، أو خطّي إلى أحد.
وإن كنت نظمتها إلاّ في ليلتي هاذه، ثمّ أنشدني:

ملكنا فكان العفو منا سجيّة

فلمّا ملكتم سال بالدّم أبطح

وحلّلتم قتل الأسارى وطالما

غدونا على الأسرى نعفّ ونصفح

فحسبكم هاذا التفاوت بيننا

وكلّ إناء بالذي فيه ينضح

وإنّما قيل له: حيص بيص، لأنّه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد، فقال : ما للناس في حيص بيص؟
فبقي عليه هاذا اللقب.
ومعنى هاتين الكمتين الشدّة والاختلاط، تقول العرب: وقع الناس في حيص بيص أي: في شدّة واختلاط.
من القائل: وإنّ أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحبّ إليه وإن زاده؟
قائل هاذه الحكمة هو الإمام عليّ (عليه السَّلام) وهي جزء من وصيّة له، فقد حدّث شريح بن هانىء أنّ الإمام أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص قائلاً له: قل لعمرو إن لقيته: إنّ عليّاً يقول لك: إنّ أفضل الخلق عند الله من كان العمل بالحقّ أحبّ إليه، وإن نقصه.
وإنّ أبعد الخلق من الله من كان العمل بالباطل أحبّ إليه، وإن زاده.
والله يا عمرو إنّك لتعلم أين موضع الحقّ، فلم تتجاهل؟
أبأن أوتيت طمعاً يسيراً، فكنت لله ولأوليائه عدوّا؟
فكأن والله ما أوتيت قد زال عنك، فلا تكن للخائنين خصيما، ولا للظالمين ظهيراً.
أما إنّي أعلم أنّ يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك.
وسوف تتمنّى أنّك لم تظهر لمسلم عداوة ، ولم تأخذ على حكم رشوه.
قال شريح: فأبلغته ذالك، فتمعّر وجهه، وقال: متى كنت أقبل مشورة عليّ، أو انيب إليه أمره، وأعقدّ برأيه؟
فقلت: وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيّد المسلمين بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله) مشورته؟
لقد كان من هو خير منك: ابو بكر وعمر يستشيرانه ويعملان برأيه.
فقال: إنّ مثلي لا يكلّم مثلك.
فقلت: بأيّ أبويك ترغب عن كلامي؟
بأبيك الوشيظ، أم بأمك النابغة؟
فقام من مكانه.
والوشيظ هو الخسيس، والتابع والحليف، والدخيل في القوم ليس من صميمهم.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة