سألني الأخ نور الدّين الزاملي من بغداد أن لمن هاذا القول:
يلومني فيك أقوام أجالسهم
فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
قلت للجيب الزامليّ الكريم: هاذا القول للأحوص، وفيه حكاية طريفة مفادها أنّ مطرف بن عبد الله الهذلي قال: بينا أنا أطوف بالبيت ومعي أبي إذا بأمرأة عجوز يضرب إحد لحيّبها الآخر.
فقال أبي: أتعرف هاذه؟
قلت: لا.
قال: هاذه التي يقول فيها الاحوص:
يلومني فيك أقوام أجالسهم
فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
أدعو إلى هجرها قلبي فيتبعني
حتى إذا قلت هاذا صادق نزعا
فقلت: يا أبه ما أرى أنه كان في هاذه حسن قط.
فضحك، وقال: هاكذا يفعل الدهر بأهله.
والأحوص اسمه عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت.
ولقب الأحوص لحوص في عينه، والحوص ضيق في مؤخر العينين، والرجل أحوص، والمرأة حوصاء ، وفعله من باب تعب.
وكان يقال لجدّه عاصم: حميّ الدّبر، والدّبر هي النحل.
وكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعث بعثاً، فقتله المشركون، وأرادوا ان يصلبوه، فحمته الدّبر - اي: النحل- كما تقدّم توّا، فلم يقدروا على صلبه حتى بعث الله - عزّ وجلّ - الوادي في الليل، فاحتمله، وذهب به، والوادي هنا هو السيل الذي يجري فيه.
وكان الأحوص يفتخر بجدّه عاصم هاذا.
والأحوص من شعراء المدينة المنوّرة، وهو مقدّم على الشعراء الغزلين فيها خاصّة، وفي الحجاز عامّة.
وهو أسمح طبعاً، وأسهل لفظاً، وأسلم معنى، ولشعره رونق عذب وطلاوة وحلاوة لم تتيسّر الكثير من الشعراء.
وله القول البديع الذائع في الآفاق لذيذاً ممتعاً:
يا بيت عاتكة الذي أتعزّل
حذر العدا وبه الفؤاد مؤمّل
أصبحت أمنحك الصدود وإنّني
قسماً مع الصدود لأميل
فصددت عنك وما صددت لبغضة
أخشى مقالة كاشح لا يعقل
هل عيشنا بك في زمانك راجع
فلقد تقاعس بعدك المتعلّل
ومعنى تقاعس ها هنا تأخّر.
وكتب إليّ الأخ عبد الرسول الزّياديّ أن من القائل؟
وما بعد هاذا القول:
ألا من لنفس لا تموت فينقضي
العناء ولا تحيا حياة لها طعم؟
قلت لأخي الزّياديّ الكريم: هاذا القول لعبد الرحمان بن عبد الله بن الحارث بن نظام أعشى همدان، وقد قاله قبل أن يقتله الحجّاج بن يوسف الثقفيّ إذ جيء به أسيراً إليه، وهاذا هو - أي قوله - وما بعده بين يديك:
ألا من لنفس لا تموت فينقضي
العناء ولا تحيا حياة لها طعم
*******