وهتف إليّ الأخ أحمد العدوانيّ من الكويت أن لمن هاذا البيت:
كن من تشاء مهجّناً أو خالصاً
فإذا رزقت غنىً فأنت الّسيّد؟
قلت للأخ العدوانيّ من الكويت: هاذا البيت من شعر الحكمة، وهو من أبيات للحكيم الشّاعر الأديب العالم اللغويّ البارع أحمد بن عبدالله بن سليمان الّتنوخيّ المعروف بالمعرّي.
ولد في معرّة الّنعمان جنوبيّ حلب، وعمي بالجدريّ وهو في الرّابعة.
انتقل الى بغداد بعد أن نال العلم، وفاق في اللغة والأدب، فطاب له المقام بها، وتقاطر عليه محبّو العلم والفلسفة، فارتاب ناس في عقيدته، فضاق بهم ذرعاً، وعاد إلى المعرّة عام أربع مئة، ودعا نفسه رهين المحبسين، واستدام التّعليم والتأليف حتّى وفاته سنة تسع وأربعين وأربع مئة.
وهاذه أبياته التي ختامها البيت المسئول عنه:
أنا صائم طول الحياة وإنّما
فطري الحمام ويوم ذاك أعيّد
لونان من صبح وليل لوّنا
شعري وأضعفني الزّمان الايّد
قالوا فلان جيّد لصديقه
كذباً أقواما في البريّة جيّد
فأميرهم نال الإمارة بالخنا
وتقيّهم بصلاته يتصيّد
كن من تشاء مهجّناً أو خالصاً
فإذا رزقت غنىً فأنت السّيّد
وسألني الأخ الكريم عبد المطّلب المالكيّ المقيم في ساحل العاج أن لمن هاذا القول:
كلتا يديه غياث عمّ نفعهما
يستوكفان ولا يعروهما عدم؟
وفيمن قيل؟
قلت للأخ المالكيّ العزيز: هاذا القول لشاعر العصر الأمويّ الكبير همّام بن غالب الدّارميّ التميميّ البصريّ المعروف بالفرزدق المتوفى في بادية البصرة سنة عشر ومئة عن عمر ناهز المئة.
وهو عظيم الأثر في اللغة بشهادة قولهم فيه: لولا شعر الفرزذق، لذهب ثلث لغة العرب، ولولا شعره لذهب نصف أخبار الناس.
شبّهوه بزهير بن أبي سلمى، وكلاهما من شعراء الّطبقة الأولى.
وبيته المسئول عنه من قصيدة ميميّة قالها ارتجالاً في مدح زين العابدين الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السَّلام) لمّأ أقبل الناس عليه وهو يستلم الحجر الأسود، وهزّ منظره الخليفة الأمويّ هشام بن عبدالملك ، فسأل الخليفة عنه، فجاءه الجواب البديع من الفرزدق في أحسن شعر، ومنه:
هاذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هاذا ابن خير عباد الله كلّهم
هاذا الّتقيّ النّقيّ الّطاهر العلم
هاذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجدّه أنبياء الله قد ختموا
وليس قولك: من هاذا بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم
كلتا يديه غياث قد عمّ نفعهما
يستوكفان ولا يعروهما عدم
ومعنى يستوكفان: يَفِيضان
ويعروهما: يُصِيْبُهُما
جاءني من الأخ أديب الحسينيّ من القدس - صانها الله عن كلّ سوء - أن من القائل:
ما حيلة الموت إلاّ كلّ صالحة
أو لا فما حيلة فيه لمحتال
وما معناه؟
قلت لأخي الحسينيّ القدسيّ: قائل هاذا البيت هو الشاعر المطبوع المعروف بقرض الشعر على سجيّته أبو العتاهية الحجازيّ المولد، الكوفيّ النّشأة.
وهو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم اللطيف المعاني، السّهل الألفاظ، وكان يقول الشّعر على البديهة، بدأ بالمجون والّتعتّه، حتى لقب بأبي العتاهية، ثمّ مال إلى الزّهد والحكم وضرب الأمثال.
وبيته الذي سألني عنه الأخ أديب الحسينيّ من القدس هو أحد أبيات قالها في رثاء ابنت المهديّ العبّاسيّ، وهي:
ما للجديدين لا يبلى اختلافهما
وكلّ غصن جديد فيهما بال
يامَنْ سلا عن حبيب بعد ميتته
كم بعد موتك أيضاً عنك من سال
كأنّ كلّ نعيم أنت ذائقه
من لذّة العيش يحكي طعة الآل
لا تلعبنّ بك الدّنيا وأنت ترى
ما شئت من عبر فيها وأمثال
ما حيلة الموت إلاّ كلّ صالحة
أو لا فما حيلة فيه لمحتال
ومعنى هاذا البيت الأخير أنّه لا ينجي الإنسان بعد الموت، إلا العمل الصّالح، ولا وسيلة له غيره.
*******