نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ(دعاء علقمة او صفوان) وهو الدعاء الذي يقرأ بزيارة عاشوراء المباركة بعد زيارة الامامين علي والحسين عليهما السلام، حيث قدمنا في لقاءات سابقة مقاطع متسلسلة من الدعاء، ونتابع الان احد مقاطعه، حيث يتحدث عن الحاجات الفردية لقارئ الدعاء ومنها الحاجة الى الامن متمثلة في القضاء على الاعداء الذين يتربصون السوء بقارئ الدعاء حيث جاء في احد مقاطع الدعاء عن العدو (اللهم اضرب بالذل نصب عينيه)، الى ان يقول: (واكفني يا كافي ما لا يكفي سؤاك، فانك الكافي لا كافي سواك، ومفرج لا مفرج سواك وخاب من كان جاره سواك، ومعينه سواك، ومفزعه الى سواك ومهربه الى سواك وملجؤه الى غيرك، ومنجاه من مخلوق غيرك).
ان هذه الفقرات تجيء لتشكل مقطعاً جديداً يتحدث عن الهموم الفردية ايضاً ولكن بما هو شدة عامة وليس العدو وسواه، والمهم هو ملاحظة النكات الواردة في هذا المقطع حيث تتكرر موضوعاته ودلالاته ولكنه تكرار في الظاهر، وموضوعات جديدة في الباطن، وهذا ما نبدأ به بتسليط الانارة عليه الان ...
تقول العبارة الاولى: (اكفني يا كافي ما لا يكفي سواك، فانك الكافي لا كافي سواك).
الموضوع هنا هو التوسل بالله تعالى بان يكفي عبده ما يهتم به من الامور، مشيراً الى انه تعالى هو الكافي حقاً وان سواه من المخلوقات لا فاعلية له في الكفاية هذا هو ملخص العبارات المتقدمة، بيد ان هذا الملخص يظل موضوعاً عاماً او مطلقاً او مجملاً يحتاج الى تفصيل يتناسب مع عظمة الله تعالى في رحمته وكفايته لعبده، كيف ذلك؟
لننظر اولاً العبارة القائلة بانه يكفي عبده ما لا يكفي سواه تعالى، ونعتقد ان هذه المقولة مع بساطتها في الظاهر الا انها تنطوي على قضايا عقائدية في منتهى الخطورة.
مرة اخرى نتساءل كيف ذلك؟
مما لاشك فيه ان الناس متفاوتون في درجة وعيهم العبادي، فمثلاً العادي من المؤمنين يقر بأن الله تعالى هو الكافي عبده من السوء ولكن قد يخيل اليه ان العبد او المخلوق بمقدوره ان يكفي اخاه السوء ولعل قارئ الدعاء يقول مثلاً أليس النصوص الشرعية ذاتها تدعو الاخرين الى قضاء حوائج الناس مما يعني ان الاخر او المخلوق بمقدوره ان يصنع شيئاً بينما الدعاء الذي نتحدث عنه يقول انه لا يكفي احد غير الله تعالى عبده فما هو الجواب؟
الحق ان الله تعالى هو صاحب الفاعلية ولكنه يهب لعبده فاعلية قضاء الحوائج ولذلك اذا لم يشأ تعالى شيئاً فان الاخر او المخلوق لا يستطيع البتة ان يتصرف ابداً.
اذن عندما يقول النص بان الله تعالى هو الكافي لا سواه انما يستهدف الاشارة الى ان تحقيق الاشباع او قضاء الحاجة او كفاية العبد انما تنحصر في فاعلية الله تعالى كل ما في الامر ان الغير هو اداة تنفيذية لا اكثر وهذا كله فيما يتصل بموضوع محدد هو كفاية الله سبحانه وتعالى لعبده.
ولكن الدعاء يتجه بعد ذلك الى فاعلية اخرى هي ومفرج لا مفرج سواك، ومغيث لا مغيث سواك، وجار لا جار سواك، فما هي دلالات او نكات هذه الموضوعات من الفاعلية؟ اي انه تعالى مفجر ومغيث ومفزع وجار، لا ترديد في المقام الذي نتحدث عنه ان نمط الشدائد يختلف من واحد الى آخر، كما ان التخلص منها يتفاوت في نمطه وبكلمة اشد وضوحاً ان الله تعالى عندما يستجيب لعبده ويزيل شدائده فانه تعالى يكون حيناً بمثابة مفرج للشدة واخرى بمثابة مغيث لصاحبها وثالثة بمثابة مجير له، وهكذا.
وهذا يعني ان كل شدة تتناسب مع حالة من حالات التخلص منها وبما ان هذا الموضوع يتطلب تفصيلاً حيئنذ فان المفروض على قارئ الدعاء ان يفهم من دقائق هذه العبارات وهو امر نؤجل الحديث عنه الى لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى قراءة الادعية والى ادراك دقائق معانيها وان يستجيب لنا ادعيتنا ويوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.