وقد حدثناك عن القسم الاول من الدعاء وهو الخاص بتوسلات قارئ الدعاء بالله تعالى بقضاء حاجاته اما الان فنتجه الى القسم الثاني من الدعاء وهو البادئ بمخاطبة الامامين عليهم السلام على النحو الاتي: (يا امير المؤمنين ويا ابا عبد الله عليكما مني سلام الله ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد من زيارتكما ولا فرق الله بيني وبينكما)، ثم يقول: (اللهم احيني حياة محمد وذريته وامتني مماتهم وتوفني على ملتهم).
هذا القسم من الدعاء قد استهل كما لاحظنا بمقطع زيارة لعلي والحسين عليهما السلام ولكن النص سرعان ما اتجه الى الدعاء فقال (اللهم احيني حياة محمد وذريته)، والسؤال المهم جداً هو ماذا نستخلص من هذه الشريحة من الدعاء المشيرة الى ان يحينا الله تعالى حياة محمد وذريته؟ هذا ما نعتزم توضيحه الآن.
قبل ان نحدثك عن موضوع التوسل بالله تعالى بان يحيينا حياة محمد(ص) نذكرك بضرورة العودة الى القسم الاول من الدعاء حيث ورد في نهايته توسل بالله تعالى بان يكشف عنا الشدائد كما كشفها عن النبي(ص) وقد بينا في حينه ما ينطوي عليه التوسل المذكور من نكات تتمثل في جملة ما لاحظناه في تأكيد الثقة واليقين بقضاء حاجاتنا ما دمنا توسلنا بالله تعالى بان يحقق ذلك كما حققه للنبي(ص).
اما الان فنلاحظ توسلاً آخر بالنبي(ص) ايضاً ولكن باضافة ذريته أي التوسل بالنبي(ص) وذريته عليهم السلام، واما الجديد في توسلنا فهو ان يحيينا الله تعالى على ما احيا به محمد(ص) وذريته عليهم السلام، والسؤال هو ما هي النكات الكامنة وراء توسلاتنا المشار اليها؟
واضح ان جوهر الحياة يتمثل في كونها اختباراً او امتحاناً او ابتلاءاً خلقنا الله تعالى من اجل ملاحظة مدى نجاحنا او اخفاقنا في الاختبار المذكور وما عدا ذلك فهو لعب ولهو وزخرف ومتاع واذا كان الامر كذلك فان الشخصية الناجحة هي من اجتازت الاختبار المذكور أي افلحت في تجربة الحياة ومارست مفهوم الخلافة في الارض او مفهوم العبارة تبعاً لقوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ».
ومما لا ترديد فيه فان النبي(ص) وذريته او عترته او اهل بيته يجسدون النجاح الاوفى في ممارسة مهمتهم العبادية لا الخلافية ولذلك ورد التوسل بالله تعالى بان يجعل حياتنا حياة محمد(ص) واهل بيته من حيث الممارسة لوظيفتنا العبادية وهو دعاء لا نجده بحاجة الى القاء الانارة عليه وذلك لوضوحه.
بعد ذلك نواجه عبارتين الاولى تقول (وامتني مماتهم)، والثانية تقول وتوفني على ملتهم) والسؤال الجديد هو ماذا نستلهم من العبارتين المذكورتين؟ ثم ما هو الفارق بين الوفاة وبين الموت حيث قال الدعاء امتني مماتهم وتوفني على ملتهم؟
بالنسبة الى الفارق بين الوفاة وبين الموت هو ان الوفاة هي استيفاء الشيء حقه أي اتمامه وهذا يعني ان الوفاة هي اعم من الموت الذي يعني قبض الروح وخروج النفس بلا عودة الا في البرزخ وفي الحشر، يترتب على الفارق المذكور اكثر من نكتة يتعين علينا ملاحظتها ومنها ان التوسل بالله تعالى بان يميتنا على ما مات المعصومون عليه يعني ان تكون عواقب امورنا او نهاية حياتنا مقرونة بالحسن أي ان يكون مماتنا مقروناً بحسن العاقبة، واما التوسل بالله تعالى بان يتوفانا على ملة المعصومين عليهم السلام فمعناه ان لا نغادر حياتنا الا وقد استوفينا حقها من اتمام المهمة وهي الوفاة او التوفي على ملة المعصومين عليهم السلام. والسؤال الجديد ما المقصود من الملة؟
الملة هي مصطلح يعني الاسم الجامع لمبادئ الشريعة وهذا يعني ان الدعاء يتوسل بالله تعالى الا يجعلنا ننتقل من الدنيا الا وقد استوفينا مبادئ الشريعة حقها من العمل بها.
اذن الوفاة والممات مصطلحان يعنيان نهاية المخلوقين الا ان حدهما يشمل عواقب الامور والاخر يشمل تمامية العمل بمبادئ الشريعة فتكون النتيجة هي ان ننتقل الى الدار الاخرة وقد ختمت حياتنا بما هو خير بل ختمت بما هو خير تام، اسوة بمحمد(ص) واهل بيته عليهم السلام.
ختاماً نساله تعالى ان يجعلنا كذلك وان يوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.