لقد حدث ما يشبه ذلك في القرن الخامس عشر ميلادي في اوربا وتحديداً في الأندلس التي كان يحكمها المسلمون؛ فما حدث هو نزاعات بين المسلمين والتي كانت احيانا تصل للأستعانة من الحكام المسيحين للقضاء على الآخر.
وهذا ما أدى الى خسارة المسلمين القوة التي كانوا عليها بسبب هذه النزاعات العقيمة على الحكم؛ واستغلت الأطراف المعادية للإسلام وللإنسانية نزاعات الحكام وتفرقة المسلمين فبدأت بنشر الرذائل في المجتمع من شرب الخمور وارسال فتيات بقصد أغواء شباب المسلمين.
وكل ذلك ادى بالنهاية لسقوط آخر معمورة في اروبا وهي الأندلس والذي كان بفائق من الذلة بعد ما كانت عليه من قوة عسكرية وتقنية متطورة في حينها.
وما نشاهده هذه الأيام من مشاكل قد اصابت دولنا هو بسبب التفرقة التي خطط لها من قبل الاستكبار العالمي، والنبؤة التي تحدث بها لويس برنارد بتراجع الأنظمة العلمانية في بلاد الشرق الأوسط قبل ثلاث سنوات من ولادة الثورة الإسلامية في ايران.
فكان تقسيم دول الشرق الاوسط الى دويلات صغيرة بمقترح وتخطيط مدروس من لويس العجوز اليهودي الذي بات لآخر عمره يكن العداء للإسلام ويحب (اسرائيل) بلا كلل او ملل، فما كان يعمل عليه هو السعي لتقسيم المنطقة على اساس العرق أو المذهب في ظل ما يسمى بدولة (اسرائيل) العظمى.
فبدأ المشروع بالتنفيذ بالفعل وبدأت دول كالسودان تتشظى وتستمر في التشظي في ظل مطالبات دارفور بالانفصال، ودعوات الانفصال في شمال العراق وشمال سوريا وجنوب تركيا وتقسيم ليبيا وما جرى في الصومال واليمن.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل هنالك فوارق كبيرة بين مذاهبنا واعراقنا ونحن مسلمون يحثنا ديننا على الوحدة فيما بيننا، بل نجد ان الإسلام يدعونا لتحقيق هذه الوحدة فيما بيننا وبين اهل الكتاب على اساس المشتركات الموجودة بييننا؟
وهل يستوجب منا القيام بشراء صفقات سلاح نستخدمها لقتل انفسنا ونحن امة واحدة؟
ولماذا مسموح لغيرنا بالوحدة في حين تكون حرام علينا؟
فالإتحادالاوربي الذي يضم اكثر من ثلاثون دولة في ظل وجود أختلافات كبيرة فيما بينهم ولكن نجدهم متكاتفون مع بعضهم البعض؛ ونجد العكس في دولنا!!
اليوم يسمح للعدو يسطو على ثرواتنا ويساعده البعض الذي يدعي الإسلام من الحكام المنخرطين في ركب العمالة للمحتل حتى وصل بهم الصلف والاستهزاء بمشاعر الشعوب الى التطبيع العلني مع عدو الإسلام والإنسانية الكيان الصهيوني الغاصب للقدس والمنتهك للمقدسات الإسلامية والمسيحية وكل القيم الانسانية!!!
لقد كان كثيرا ما يؤكد على هذه القضايا مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران روح الله الموسوي الخميني ـ رحمة الله علية ـ وفي نفس الوقت يشير الى العلاج الحقيقي وهو الوحدة بين المسلمين التي تتحطم على صخرتها جميع المخططات الإستعمارية التي من أولويات أغراضها نهب الخيرات وقتل الإنسان.
وتبنى الامام الخميني ـ رحمة الله عليه ـ مشروع الوحدة الاسلامية على مستوى النظرية والفكر وعلى مستوى التطبيق على الواقع الميداني والعملي قبل وبعد إنتصار الثورة الاسلامية بقيادته في ايران.
فكان من منفاه ورغم هموم الثورة ومعاناة الشعب الايراني التي تشغل أغلب وقته إلا أن القضية الفلسطينية كانت حاضرة ضمن أولويات إهتماماته، فهو أول مرجع ديني من مراجع الدين سواء السنة أو الشيعة يصدر فتواه بجواز صرف الحقوق الشرعية (أموال الزكاة) في دعم المقاومة الفلسطينية ومساعدة المحتاجين من الفلسطينيين لاسيما المشردين من قبل الاحتلال الصهيوني من ديارهم ظلماً وعدواناً.
فلم ينظر للقضية الفلسطينية بأنها تخص طائفة بعينها والقارئ الكريم يعرف جيداً المقصود من هذا الكلام.
وبعد إنتصار الثورة الاسلامية حضيت القضية الفلسطينية بالحصة الاكبر من أهتمامات الامام الخميني ـ رحمة الله عليه ـ وعلى كل المستويات من إبدال السفارة الصهيونية بسفارة فلسطين الى الدعم اللامحدود للمقاومة الفلسطينية، الى المساعدات التي تصل الى الشعب الفلسطيني رغم الحصار المفروض عليه من قبل الاحتلال.
كذلك فتوى الامام الخميني ـ رحمة الله عليه ـ حول مناسك الحج وضرورة الانسجام التام بين الحجيج لاسيما في أداء صلاة الجماعة في الحرم المكي والمسجد النبوي لتظهر الوحدة بين المسلمين بأبهى صورها رغم المضايقات التي تمارسها السلطات السعودية ضد الحجيج وبالخصوص الحجاج الايرانيين. تلك الممارسات التي يندى لها الجبين والتي فاقت حدود التصور ويمتنع القلم حياء من ذكرها.
ويأتي اسبوع الوحدة الإسلامية ومؤتمرها بمناسبة الذكرى السنوبة لولادة الرسول الأعظم محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كواحدة من ثمار اهتمامات الامام الخميني ـ رحمة الله عليه ـ بمشروع الوحدة الإسلامية.
وما ذكرناه هو غيض من فيض من المواقف المشرفة للإمام الخميني ـ رحمة الله عليه ـ في سبيل أن يحقق مشروع الوحدة الاسلامية أهدافه التي هي من أهداف الرسالة التي جاء بها النبي محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكلنا أمل أن يستمر هذا المشروع الإلهي حتى تحقيق كامل أهدافه.
عبد الله كرعاوي / لموقع إذاعة طهران العربية