حيث أكد قرقاش أن مطالب المصالحة في حينها كانت تعبر عن الحد الأقصى للموقف التفاوضي، وهو ما يعني حكما أن اتفاق العلا تم بالحدود الدنيا للتوافق الخليجي، وجرى التخلي بالتالي عن تلك المطالب، بحكم أن 13 مطلبا لم يجر تطبيق أي واحد منهم، ومنها إغلاق قناة “الجزيرة”، وقطع قطر لعلاقاتها مع إيران.
الوزير الإماراتي ورغم أنه عبر في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، إنه واثق، ويتطلع بحماس، لكن هذه الثقة ربطها قرقاش بوجوب التجربة للتأكد، وأمل أن يعمل (الخليجيون) مع بعضهم البعض للمضي قدما، وهو ما يوحي بأن الإمارات أكثر تأنيا من شقيقتها السعودية، ولا تزال تختبر عودة العلاقات مع قطر.
الإمارات حرصت على حضور قمة العلا السعودية، بوفد رفيع المستوى رأسه الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي، وكان يرافقه الوزير قرقاش، مع بعض الشيوخ من أبناء الشيخ الراحل زايد، وهذا التواجد قد يكون قطع الطريق أقله على وجود خلاف مع السعودية حول المصالحة مع قطر، وإن كان لم تحصل مشاهد ود وعناق جمعت حاكم دبي، وولي عهد البحرين مع أمير قطر، كما تم بين الأميرين محمد بن سلمان، وتميم بن حمد.
الإمارات تبدو وكأنما اختارت ترك القيادة للسعودية بخصوص المصالحة وإتمامها، وهذا موقفٌ صريح عبر عنه الوزير قرقاش حين أكد أن بلاده وضعت “ثقتها” في القيادة السعودية لقيادة العملية التفاوضية، لكن لا تزال الأجواء والحدود الإماراتية مغلقة في وجه قطر، ويجري الحديث عن فتحها خلال أسبوع، مما يعني أن الموقف الإماراتي لا يزال متحفظا، على عكس نظيره السعودي مع قطر.
المعارك الإعلامية التي لا تزال تجري على هامش المصالحة الخليجية، توحي ببقاء بعض التوترات، حيث وعلى سبيل المثال، حذفت شركة “روتانا” السعودية أغنية “علم قطر” من موقع “اليوتيوب” وبعد طرحها منذ ثلاث سنوات، ولكن أغنية “قولوا لقطر” التي غناها مجموعة فنانين إماراتيين بقيت على حالها في الموقع، مع منع التعليق عليها.
قناة “الجزيرة” والتي كانت أحد مطالب الدول الخليجية المقاطعة إغلاقها، تنشغل هذه الأيام بتغطية الانتخابات الأمريكية، ويغيب عن تغطياتها أخبار تتعلق بالسعودية، والإمارات، وإن كان موقع “اليوتيوب” لا يزال ساحة، لتصفية الحسابات عبر أسماء بعينها بين الدول الخليجية، وكلٌ حسب ميوله، ودعمه.
وفي حين يتحدث الوزير قرقاش عن اختبار ثقة للتأكد من العلاقة مع قطر، يؤكد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن في المقابل، أن قطر لن تغير علاقاتها مع إيران وتركيا، وبعد التوقيع على اتفاق المصالحة مع الدول الأربع المقاطعة لبلاده، والوزير القطري هنا يجيب على أكثر الأسئلة تداولا بعد ظهور قادة الدول الخليجية وهم يوقعون على الهواء مباشرة بيان اتفاق العلا.
إيران الوحيدة التي حرص الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي على التأكيد على ضرورة مواجهة تهديد برنامجها النووي في كلمته خلال قمة العلا، واعتبر دورها تخريبيا، كما أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أكد في المؤتمر الختامي على وجوب وجود موقف خليجي موحد من إيران، لكن قطر ووفقا لوزير خارجيتها تؤكد أن “العلاقات الثنائية يحكمها بشكل أساسي القرار السيادي”، والمصلحة الوطنية.
ستبقى التساؤلات مطروحة حول المكاسب التي حققتها دول المقاطعة لقطر، إذا كانت العلاقات القطرية- التركية- الإيرانية ستبقى على حالها، وإن كانت الدوحة هي الكاسب الأكبر من الاتفاق، وتحقيق شرطها الأبرز، وهو فك الحصار، وفتح الحدود البرية، والجوية مع السعودية، وهو الشرط الذي كان السبب في حصول العناق بين الأميرين بن سلمان وبن حمد، فيما لم يحصل المقاطعون على مكاسب في المقابل، عدا توقف قناة “الجزيرة” عن تناول الأمير بن سلمان، وسياساته الداخلية، والخارجية بنقد متواصل.
توقف “الجزيرة” عن مهاجمة السعودية، هذا أمر واضح من خلال رصد شاشتها على مدار اليوم، لكن وزير الخارجية القطري قال في تصريحاته التي جاءت في مقابلة مع “فاينانشال تايمز”، بأنه لن يكون هناك تغيير بما يتعلق بسياسات قناة “الجزيرة”، وهو ما يطرح تساؤلات حول استمرار القناة بسياساتها التي تستهدف السعودية، والإمارات، فعدم التغيير، يعني مواصلة النهج الهجومي الذي يطال قادة خليجيين بعينهم، وما إذا كانت القناة القطرية ستتوقف عن استضافة معارضين سعوديين، وإماراتيين، وتمويل الدوحة لقنوات معارضة في تركيا، خاصة أن العلاقة مع الأخيرة لن تنقطع كما يقول الوزير القطري، إلى جانب بقاء القاعدة العسكرية التركية في قطر.
الثابت بكل الأحوال، أن ثمة مصالحة سعودية- قطرية واقعية تمت منذ لحظة عناق الأميرين تميم، وبن سلمان، وترحيب غير مسبوق من الأخير، حين قال لضيفه عند نزوله من باب الطائرة، أنورت المملكة، لكن معيار الثقة يبدو متفاوتا بين قطر، والإمارات، والبحرين، فالوزير الإماراتي لا يزال يتحدث عن اختبار ثقة للتأكد، ويتحدث عن الحاجة لمزيد من الوقت لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، مع عودة التجارة، وحركة التنقل خلال أسبوع.
وزير الخارجية القطري، يبدو هو الآخر وبلاده أقل ثقة بالإمارات والبحرين، وعبر عن ذلك ضمنا، حين قال أو أعرب عن أمله في أن تتمتع الأطراف في النزاع الخليجي بالإرادة السياسية نفسها التي يتمتع بها السعوديون، مؤكدا أنه لو قاموا ذلك، سيجدون أن قطر لديها الإرادة السياسية المشتركة.
هذا الاتفاق الخليجي في العلا، الذي حرص مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنر على إتمامه، وحضوره شخصيا، طرح تساؤلات حول وجود توجه سعودي- قطري للتطبيع مع إسرائيل بعد الاتفاق، فإدارة ترامب هي من أجازت ذلك الخلاف، وهي من أرادت نهايته، وقد ينتج هذا الاتفاق تطبيعا خليجيا سعوديا- قطريا من مصلحة "إسرائيل" وفي آخر الخدمات الجلية التي تقدمها إدارة ترامب الراحلة في أيامها الأخيرة، ووزير الخارجية القطري لم يجب على هذا التساؤل بالنفي أو التأكيد، وهو الذي حرص على علاقاته مع إيران وتركيا، وسياسات قناة بلاده الأخطبوطية التي لن تتغير كما يصفها خصومها.
خالد الجيوسي - رأي اليوم