(وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا) الإسراء 101-102.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا * قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا) الفرقان 11-15.
قوله تعالى: وإِنِّي لأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً؛ قال الفرّاء: أَي مغلوباً ممنوعاً من الخير؛ ابن الأَعرابي: المثبور الملعون المطرود المعذب. وقال مجاهد: مَثْبُوراً أَي هالكاً. وقال قتادة في قوله: هُن الِكَثُبوراً؛ قال: ويلاً وهلاكاً. وقد ثَبَرَ يَثْبُرُ ثُبُوراً.وثَبَرَهُ الله: أَهلكه إِهلاكاً لا ينتعش، فمن هنالك يدعو أَهل النار: واثُبُوراه فيقال لهم: لا تدْعوا اليوم ثُبُوراً واحداً وادْعُوا ثُبُوراًكَثِيراً.
ليست إيران وحدها أو الصين وغيرها من الشعوب هي التي تعيش الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انتشار مرض كورونا.
أوروبا التي كان الكثير منا يراها نموذجا للدولة المتقدمة القادرة على رعاية شعبها وتقديم المساعدة لدول (العالم الثالث) تعيش هي الأخرى أزمة طاحنة وتبدو عاجزة عن محاصرة الوباء!!.
دعنا إذا من نظرية العقاب الانتقائي التي تبناها بعض الحمقى، فالبلاء أوسع وأعم والأمر يحتاج إلى قدرة على التأمل خلافا للطريقة التي أدمنها أصحاب عقول الدجاج وأجسام الفيلة.
لا تسيطر إيران على العالم ولا تدعم الكيان الصهيوني بالمال والسلاح كما أنها لم تبارك منح القدس لهذا الكيان بل وقفت في وجه ذلك الإجراء مما عرضها للعدوان والحصار الأمريكي الذي يباركه أدعياء الإسلام!!.
أمريكا التي كانت عظمى تعيش هي الأخرى أزمة اقتصادية والكونجرس الأمريكي يطالب ترامب باعتماد أكثر من 1.7 تريليون دولار نقدا لمواجهة الوضع والصراع على أشده.
ما انتزعه ترامب من ابن سلمان –نصف تريليون- سيتبدد في هذه الكارثة أضعافه وليس ضعفه.
زرعوا الظلم والإجرام والفجور في الخصومة ومارسوا القتل والتجويع بحق سوريا وإيران والعراق واليمن ولا زالوا يخططون للمزيد دون خوف من الله مالك السماوات والأرض ولا خوف من عواقب ولا الارتدادات (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).
ما نقوله هنا يختلف جوهريا عما يقوله الداعون لهلاك الظالمين أجمعين فنحن لا ندعو لإبادة هذه الشعوب بل نتمنى لها السلامة وإنما نتحدث عن الجرائم التي يرتكبها الطغاة المستكبرون ونرى هذه الشعوب ضمن ضحايا هذه الممارسات الجائرة.
هل من العدل والمنطق أن نتمنى سلامة شعوب أوروبا ولا نطالب بفك الحصار عن إيران وسوريا واليمن ولبنان وقبلهم العراق الذي بقي لعقود يموت فداء للهيمنة الأمريكية ويتضور جوعا تحت الحصار؟!.
أين غاب الضمير الإنساني والشعب اليمني المحاصر يعاني من المجاعة والأوبئة ويواجه كل هذه المصائب دون ناصر أو معين؟!.
الآن يبدو واضحا أن المنظومة الغربية بأسرها تتعرض لضغوط هائلة وأن الدنيا بأسرها تتعرض لذات الأزمة.
ربما يكون مبكرا أن نذكر هؤلاء الوحوش بوحدة المصير الإنساني بينما نرى أمريكا لا تكترث ولا تبالي بغير الكيان الصهيوني وتسعى لفرض أولوياته واحتياجاته على الدنيا بأسرها ولو كان ثمن ذلك هلاك مصر جوعا وعطشا وربما ترى في وباء كورونا فرصة لتركيع إيران خدمة للصهاينة؟!.
صفقة القرن وكوكب الجحيم!!
قبل أشهر قليلة أعلن زعيم كوكب الجحيم المدعو ترامب عن تفاصيل ما أسماه صفقة القرن وقبلها بعامين أعلن عن تسليم القدس بصورة نهائية لليهود معلنا بذلك ألا إسلام ولا مسلمين وأن شعبا واحدا وهو اليهود له الحق المطلق في الهيمنة على العالم.
هل رضيت السماء بذلك؟!، أم أن تلك الجائحة التي تهز العالم هي إنذار إلهي موجه إلى ترامب الذي انتهك كل الحرمات مدفوعا بهوس القوة الشيطاني وحالة اللاأبالية التي أصابته ومعه باقي كهنة معبد إبليس؟!.
الطوفان أم الدخان؟!
من نكد الدنيا أن يردد الناس كلاما ليس له معنى ثم يصبح هذا الكلام الفارغ معتقدا ثابتا ومثال ذلك قولهم (ولى زمن المعجزات والآيات).
أيضا ولأن الصورة الكاملة لم تتضح بعد كما أن أحدا لا يقدر على رسم ملامح ما بعد الطوفان فمن المفيد أن نذكر بثوابت السلوك البشري خاصة لدى المتمردين على الله ومن أهمها (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) رغم أنهم هم المستهدفون منذ البدء (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم)!!.
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ).
الملاحظ أن هذه الآية الكونية لم ترتبط بقوم من الأقوام كما هي العقوبات التي حلت بقوم نوح وعاد وثمود، كما أن الآيات الألهية تتجدد وذلك قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)!!.
ترك المجال مفتوحا لتصور إمكانية أن يلحق هذا العقاب بمن أراد الله وكما يرى البعض فإنها علامة من العلامات القريبة قبل الظهور المهدوي.
إنها رسالة السماء لأهل الأرض الظالمين منهم أو الراضين أنكم في قبضة الله عز وجل (الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ وَ لَا يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ)، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
الدكتور أحمد راسم النفيس
23/03/2020