بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الهداة إلى الله.
السلام على إخوة الإيمان وأحبة القرآن في كل مكان، مرة أخرى نجتمع معاً في أفياء الذكر الحكيم وأحسن القول والحديث، القرآن الكريم، حيث نواصل تقديم تفسير موجز لآيات أخرى من سورة طه المباركة، وأول آية نستمع تلاوتها في هذا البرنامج هي الآية الخامسة والخمسين من سورة طه:
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ ﴿٥٥﴾
كما مر علينا في الحلقة الماضية فإن القرآن الكريم تحدث عن بعض نعم الله تعالى على الإنسان وسائر الكائنات، وكل هذه النعم والعطايا هي من لدن الله تعالى ودليل لطفه ورحمته، وتأتي هذه الآية لتتحدث عن المعاد بعد موت الإنسان. الأرض هي مهد ولادة الإنسان، إلا أن الإنسان وبعد موته يودع فيها أمانة إلى يوم نشوره ومعاده، ويشير الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، صلوات الله وسلامه عليه إلى أن السجود على الأرض هو ما يوميء إلى هذا المعنى، إذ المراد من السجدة الأولى في كل ركعة صلاة إن منشأ الإنسان هو الأرض، والمراد من السجدة الثانية العودة إلى التراب والأرض، أما القيام من السجدة الثانية ففيه معنى بعث الإنسان ونشوره وخروجه من التراب استعداداً ليوم الحساب.
والمستفاد من هذه الآية الشريفة:
- إن الإنسان أوله تراب وآخره تراب، فلماذا كل هذا الغرور والتكبر؟
- إن الموت ليس نهاية الحياة كما يتصور البعض، الأرض تحتضن جسم الميت أمانة إلى يوم القيامة.
وما بين الحياة الدنيا والآخرة برزخ، أليس الباري تباركت أسماؤه يقول في محكم كتابه الكريم" بسم الله الرحمن الرحيم، ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، صدق الله العلي العظيم".
ويقول تعالى في الآيتين السادسة والخمسين والسابعة والخمسين من سورة طه المباركة:
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ ﴿٥٦﴾
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ ﴿٥٧﴾
تعود هاتان الآيتان للحديث مرة أخرى حول الحوار بين موسى وفرعون، أو بين الحق والباطل، لقد شاهد فرعون الطاغية، المعجزات التي جرت على يد موسى عليه السلام، مثل تحول عصاه إلى حية تسعى وابيضاض يده ونورانيتها، لكن هذا الطاغية لم يقبل بهذه المعجزات أن فرعون قال: موسى ساحر يريد بسحره أن يقضي على حكم الفراعنة ويستلم هو الحكم والتاج والعرش؛ وهكذا فإن فرعون كان يرى في دعوة موسى عليه السلام تهديداً لدولته.
إن طلب موسى عليه السلام تحرير بني اسرائيل من قيود فرعون، كان يعد من قبل فرعون تدخلاً في شؤون مملكته، ذلك أن بني اسرائيل الذين كانوا لفرعون عبيداً كانوا يشكلون القوى العاملة في بلاده.
وما يفيده إيانا هذا النص:
- إن المعجزات هي من أجل إتمام الحجة على الناس، لكن البعض من الناس يرفضون قبول هذه المعجزات عناداً منهم ويرونها ضرباً من ضروب السحر والشعوذة.
- إن الحكومات الظالمة تتهم المعارضين لها بالإخلال بالأمن.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيات الثامنة والخمسين والتاسعة والخمسين والستين من سورة طه:
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى ﴿٥٨﴾
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴿٥٩﴾
فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ ﴿٦٠﴾
تتحدث هذه الآيات عن تجمع السحرة بأمر من فرعون أمام الناس، حيث أقام فرعون هذا المحفل للسحرة في يوم العيد الذي اجتمع فيه الناس ابتهاجاً وسروراً، ومن الجدير أن نذكر هنا أن آيات أخرى من القرآن الكريم تحدثت بتفصيل أكثر حول هذه الحادثة.
ويستفاد من آيات كريمة وردت في سورتي الأعراف والشعراء فإن فرعون مصر ومن بعد أن تباحث مع موسى وهارون عليهم السلام، عقد مع مستشاريه إجتماعاً وطلب من بعد ذلك إحضار كل السحرة في أنحاء بلاد مصر إلى عاصمة ملكه؛ لقد أكد فرعون على لزوم اتخاذ كل أساليب الترغيب والترهيب من أجل أن يقف السحرة جميعاً في وجه موسى عليه السلام.
لقد أراد فرعون من وراء ذلك أن يذهب بأثر معجزات موسى عليه السلام ومن جهة أخرى يثبت قدرة حكمه أمام الناس.
نعم، إن فرعون بذل كل ما في وسعه لثني موسى وهارون عليهما السلام عن عزمهما في إشاعة نداء التوحيد وعبادة الله جل شأنه، وعلى أي حال فإن الذين ثبتهم الله بالقول الحق في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا يخافون أحداً سواه، إن موسى وهارون (ع) أرادا من تلك الفرصة التي توفرت لهما فضح النظام الفرعوني وإثبات دعوتهم الحقة.
والآن إلى الدروس المأخوذة من هذا النص فهي:
- إن في الإمكان استثمار الفرص المتاحة مثل أيام العيد والسرور لبيان الحقائق الإلهية الحقة.
- إن في تعامل موسى عليه السلام مع فرعون دروس وعبر للإستفادة من أساليب الحوار وصولاً إلى الحقيقة والحق.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الحق في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انتهت هذه الحلقة من نهج الحياة، دمتم سالمين والسلام خير ختام.