بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين على نعمائه سيما نعمة الهداية والإيمان والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين،، حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات،، تحية مباركة قرآنية نقدمها لحضرات وأنتم تستمعون الى هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" حيث سنختم فيها بإذن الله تعالى تفسير القرآن الكريم بتقديم سورتي الفلق والناس المباركتين، نستهلها بالإستماع الى تلاوة سورة الفلق المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ{2} وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ{3} وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ{4} وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ{5}
كلمة "فَلَقَ" أيها الكرام" مثل "فَجَرَ" بمعنى الشق، وشق ظلام الليل أو نور الصباح مذكور في آية (فالق الإصباح) وشق البذرة في التراب مذكور في آية (فالق الحب والنوى).
و"غاسق" هو بداية الليل التي يصاحبها الظلام، كما ورد في آية أخرى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل)؛ وقد يكون المقصود من كلمة "غاسق" كل موجود مظلم يجلب الظلام المعنوي وينشره.
وتشير السورة إلى أن الأشرار يستغلون ظلام الليل للتآمر والهجوم؛ لذا نستعيذ بالله من الشرور التي تحدث في الليل؛ و"النفث" هو النفخ، و"العقد" جمع "عقدة".
ومن بين كل الشرور، ورد في هذه السورة ذكر ثلاثة منها، وهي: الشر المخفي في الظلام (ومن شر غاسق) وشر الألسنة الفاسدة (ومن شر النفاثات في العقد) وشر الحسد والمنافسات السلبية (ومن شر حاسد إذا حسد).
ومن مصاديق النفاثات، السحر والشعوذة؛ لذا فإن تعليمها والعمل بها محرم في الشريعة وتعاليم الإسلام.
ومما تعلمنا سورة الفلق المباركة، يمكن القول أولاً: يجب أن نجري الإستعاذة بالله على ألسنتنا، ولا يمكن إصلاح أنفسنا ومجتمعنا من دون الإستعانة بالله والإستجارة به.
ثانياً: ينبغي إعطاء طيفاً واسعاً لأدعيتنا، وتشمل كل المخلوقات.
ثالثاً: تضعف العقائد إثر الوساوس، فالكلام له أثره على النفوس.
ورابعاً: ليس للحسد علاج غير الإستعاذة بالله عزوجل.
والآن، إخوة الإيمان، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة سورة الناس المباركة وهي آخر سور القرآن الكريم..
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ{5} مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ{6}
أيها الكرام، وردت كلمة "قل" أكثر من ثلاثمئة مرة في القرآن وأغلبها كان أمراً من الله الى النبي وكان رداً على المخالفين أو الموافقين.
وتأتي كلمة "وسواس" بمعنى المخلوق الذي يوسوس، وكذلك بمعنى خطرات الذهن والأفكار السيئة؛ ولكنها جاءت هنا بمعنى المُوسوس.
ولا يكفي قول كلمة "أعوذ" للنجاة من الخطر، بل يجب الإبتعاد عملياً عن أسباب الخطر.
وتشير هذه السورة، أحبتي الكرام، الى أنه أول ما يلمسه الإنسان هو رشده وتكامله وتربيته (برب الناس) ومن ثم السياسة والتدبير والحكومة (ملك الناس) وعندما يصل إلى الرشد ويكتمل وعيه يعي معنى العبادة والعبودية (إله الناس)؛ فالإستعاذة تكون بمن هو مطلع على الأسرار والوساوس الداخلية.
و(الخناس) أيها الأطائب، من الخنوس بمعنى الإختفاء والتراجع، فالشيطان بنفسه مخفي وعمله كذلك، ولو كانت وسوسته علنية لما استطاع أن يتسلط على الناس؛ وذكر اسم الله تعالى في هذه السورة ثلاث مرات، لأن الوسوسة محلها روح الإنسان وقلبه وتؤدي الى التلاعب بإيمانه وعقله وأفكاره، أما في سورة الفلق حيث إن الوساوس من خارج القلب، فقد ذكر اسم الله تعالى مرة واحدة.
أجل، فإن خطر الإنحراف الفكري وتأثيره على الروح أكبر من الأخطار الخارجية، فوسوسة الشيطان لعموم الناس، هي نفوذ في قلبهم وروحهم للوسوسة، ولكن ليس إلى حد التسلط عليهم بحيث لا يكون للإنسان طريق للخلاص، لأن القرآن يقول في الآية الأولى بعد المئة من سورة الأعراف (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون).
كما تشير هذه السورة إلى أن الله عالم بحاجات الإنسان وبالأخطار التي تهدده، ولكن أسلوب التربية الإلهية يقتضي أن يقر الإنسان بحاجته واستعانته ولجوئه بلسانه وأن يلقن نفسه أنه فقير ومحتاج، لتزهر فيه روح التواضع والتعبد والتسليم.
أيها الإخوة والأخوات، مع ختام تفسير سورة الناس المباركة نأتي وأياكم الى نهاية برنامجكم القرآني، نهج الحياة، فلكم منا أطيب المنى أيها الأفاضل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.