بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله وأشرف بريته سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطاهرين الأخيار، أسعد الله أوقاتكم بالخير مستمعينا الأكارم، وأهلاً بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، ها نحن وإياكم نعيش أجواء عطرة، هي أجواء القرآن الكريم، وبودنا في هذه الدقائق أن نقدم تفسيراً موجزاً لآيات من سورة طه، حيث نستمع إلى تلاوة آياتها السابعة والثلاثين والثامنة والثلاثين والتاسعة الثلاثين:
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ ﴿٣٧﴾
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ ﴿٣٨﴾
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي ﴿٣٩﴾
في الحلقة الماضية ذكرنا أن موسى عليه السلام قد بعث بالنبوة، وأول مهمة رسالية أداها الكليم عليه السلام هو مواجهة الطاغية فرعون، وقد استجاب الله دعاء موسى عليه السلام حينما شد أزره بأخيه هارون وبعثه إلى جانب موسى نبياً.
وإذا كان الله تعالى قد دعم رسالة موسى عليه السلام، فإنه كان معه كذلك حينما أوصلته مياه اليم إلى قصر فرعون، عندما كان وليداً، حيث أوحى الله إلى أم موسى عليه السلام أن تضعه في صندوق وتلقيه في مياه النيل ليكون في أمان من بطش الطاغية فرعون الذي أمر بقتل الأطفال حديثي الولادة، بعد أن أخبره المنجمون أن أحدهم إذا ما كبر زعزع قوائم ملكه.
وكما جاء في قصة موسى عليه السلام، فإن فرعون وزوجته كانا ذات يوم على ساحل النيل، فرأيا في الماء صندوقاً فأمرا بفتحه، فإذا فيه وليد ذكر وقد تبنياه بعد إن لم يرزقا بولد، وهكذا شاءت إرادة الله تعالى أن يتربى موسى عليه السلام ويترعرع في قصر فرعون.
أما الدروس المستفادة من هذا النص فهي:
- إن إرادة الله تعالى فوق كل شيء، لم يكن فرعون يريد الحياة لموسى عليه السلام، بيدأن إرادة السماء شاءت أن يحيى هذا النبي في قصر من كان يريد موته.
- إن من سنن الله تعالى في خلقه أن يلقي محبة أوليائه الكرام في قلوب الناس.
ويقول تعالى في الآية الأربعين من سورة طه:
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ ۖ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ۚ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ۚ فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ ﴿٤٠﴾
في حياة النبي موسى عليه السلام كان لعدد من النساء دور مهم؛ اول تلك النسوة، والدة موسى (ع) التي ألقت وليدها في اليم بعد أن ألهمها الله تعالى ذلك، والثانية هي أخت موسى (ع) التي ذهبت إلى بلاط فرعون واقترحت أن يعطى موسى الوليد لمن يربيه، وكان بذلك أن عاد إلى جحر أمه وقرت به عيناً، والمرأة الثالثة هي زوجة موسى عليه السلام التي رافقته في حله وترحاله وقاسمته تحمل المشاق والمصائب، وآسية زوجة فرعون كان لها دور في حياة موسى عليه السلام، فهذه المرأة أثنت زوجها عن قتل موسى عليه السلام وأصبحت من بعد ذلك من المؤمنين برسالته ولها مكانة كبيرة، حتى ورد في الأحاديث الصحيحة انها من خيرة اهل الجنة.
إن الله تبارك شأنه أراد إعداد موسى عليه السلام إعداداً رسالياً كي يعود إلى مصر ويؤدي مهمته في مقارعة الطغاة؛ ويذكر الذين أرّخوا حياة الأنبياء عليهم السلام، أن في حياة موسى عليه السلام العديد من الوقائع والأحداث، ومن ذلك أن موسى عليه السلام مر ذات يوم وهو في شبابه بإثنين يتنازعان، أحدهما من بني إسرائيل والثاني من أتباع فرعون، نصر موسى (ع) المظلوم منهما وكان من بني إسرائيل وضرب الفرعوني على رأسه فمات.
هذه الحادثة جعلت موسى (ع) يفر من مصر ويتوجه صوب مدين، وفيها اقترن بإبنة نبي الله شعيب، وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه الحادثة في إحدى سوره وهي سورة القصص المباركة.
وإلى الدروس المستقاة من الآية الأربعين من سورة طه المباركة:
- إن للأم مكانة خاصة عند الله تعالى، وقد قرت عين أم موسى (ع) حينما أعاد الله تعالى وليدها إليها.
- إن الرجال الربانيين يتحملون الصعاب والإبتلاءات كي يكونوا على أهبة الإستعداد لتحمل المهام الإلهية.
والآن نستمع إلى تلاوة الآيتين الحادية والأربعين والثانية والأربعين من سورة طه:
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴿٤١﴾
اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ﴿٤٢﴾
أثبت الله تعالى في هاتين الآيتين مدى لطفه ومحبته لموسى وهارون عليهما السلام، لقد أعد الباري تعالى موسى عليه السلام للرسالة إعداداً كاملاً وأمره أن يتوجه وأخوه هارون إلى فرعون ويدعوه إلى عبادة الله تعالى شأنه وأبلغ الله نبيه موسى (ع) أنه معه ناصره على الطغاة.
وأما ما يفيده إيانا هذا النص الشريف فهو:
- إن أنبياء الله ورسله ليسوا من عامة الناس، بل هم الصفوة المختارة منهم، يصطفيهم الله من بين خلقه ويعدهم إعداداً كاملاً لتحمل إعباء الرسالة "والله أعلم حيث يجعل رسالته".
- إن السر في نجاح القادة الربانيين، التوجه الدائم إلى ذات القدس الإلهي، إنهم يسيرون إلى الأمام بشجاعة وإقدام ولا يخافون في الله لومة لائم.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم.