يقول إبراهيم لـموقع "العربي الجديد" إنه بمجرد وصوله مع متقدمين سودانيين آخرين إلى أبوظبي تم تحويلهم إلى معسكر تدريبي في مدينة غياثي، بحجة "تدريبهم على الثقافة العسكرية لتأمين المنشآت التي سيعملون بها داخل إمارة أبوظبي"، لكنه لمس كضابط صف سابق في الجيش السوداني أن التدريب لا يمكن أن يكون لوظيفة حارس أمني، بل هو تدريب قتالي.
وأوضح إبراهيم أن كل كلام المسؤولين الإماراتيين على التدريب كان عبارة عن غش وخداع حيث تم إخفاء المكان الذي سيتم نقلهم له، لذا أبلغ إبراهيم إدارة المعسكر مبكراً برغبته بالعودة لوطنه.
لكن إدارة المعسكر هددته ومارست معه الترغيب والترهيب، وذلك بقيادة نقيب في الجيش الاماراتي اسمه محمد الظاهري، إذ أبلغه بنيته بإحالة كل من اعتبرهم متمردين إلى إدارة مكافحة الإرهاب لمحاكمتهم على شغبهم"، مشيراً إلى أنه أضطر هو ومن معه إلى الرضوخ ومواصلة التدريب خوفاً من تعرضهم لمكروه أو مؤامرات.
ويعد إبراهيم نميري واحداً من 412 سودانياً وصلوا ضمن 12 دفعة إلى أبوظبي بخديعة العمل كـ"حراس أمنيين" في إمارة أبوظبي ليجدوا أنفسهم يباعون، كما جاء في بيان لهم الاثنين، كمرتزقة يقاتلون في ليبيا، رغم أن العقد الذي وقعوه واضح جداً، ويشير إلى أن مكان العمل هو أبوظبي.
وأشار البيان إلى أن المعسكر التدريبي أشرف عليه ضابط سابق في الجيش السوداني، وعند نهاية التدريب الذي استمر لمدة 70 يوماً أشرف ضابط رفيع في الجيش الإماراتي على تسفيرهم إلى ليبيا بحجة أخذهم لأماكن عملهم داخل الإمارات، لكن اكتشفوا أخيرا أنهم رُحلوا إلى ليبيا برحلة استمرت أكثر من 5 ساعات، ومن ثم تم نقلهم عبر طائرة عسكرية أخرى إلى قاعدة راس لانوف التي توجد بها مليشيا خليفة حفتر.
وأشار البيان إلى أن وقفة الشعب السوداني ولجان المقاومة معهم هو الذي أعادهم لبلادهم بعد الضغط على الحكومة الإماراتية.
ومن بين الـ412 سودانيا رفض 115 فكرة العمل مع الشركة ورفضوا صعود طائرات وكان منهم إبراهيم نميري إبراهيم الذي قال إن الشركة إضطرت لإعادتهم للسودان تحت إصرارهم وضغط الرأي العام السوداني.
وكانت العاصمة السودانية الخرطوم قد شهدت الشهر الماضي عددا من الوقفات الاحتجاجية أمام مقر مجلس الوزراء ووزارة الخارجية والسفارة الإماراتية تندد بتجنيد الإمارات لسودانيين وتطالب بإعادتهم للبلاد وهو ما حدث في الأيام الماضية.
وشدد إبراهيم على رد كل الاعتبار له هو ومن معه من الشباب، كما شدد على ضرورة حصولهم على التعويض عن كل الأضرار التي تعرضوا لها بما في ذلك الأضرار النفسية، وطالب كذلك بإجراء تحقيق داخل السودان حول فرضية وجود أيد خفية تبيع الشباب السوداني ومحاسبتها وتقديمها للمحاكمة.
أما وائل الحاج، وهو خريج جامعي كان من الدفعة التي ذهبت إلى ليبيا، فأوضح أن شعور الإحباط واليأس انتباهم جميعاً، وعددهم 277، حينما اكتشفوا وجودهم بين مليشيات خليفة حفتر وسط الذخيرة وإطلاق الرصاص، وداخل معسكرات رديئة البيئة، لا ترقى لتكون مأوى للحيوانات، ومن داخل المعسكر أجمعوا على رفض فكرة القتال لجانب حفتر، رغم الإغراءات التي تعرضوا لها بدفع 3 آلاف دولار كراتب شهري، ورغم التهديدات اليومية، نافيا بشدة مشاركتهم في أي قتال في ليبيا أثناء فترة وجودهم هناك التي لم تتعدَّ الستة أيام.
ويضيف الحاج أن قوات حفتر عاملتهم بطريقة مهينة وهددتهم، مطالباً هو الآخر بتعويضه عما لحق به من أضرار خاصة أنه فقد وظيفته التي كان يعمل بها قبل سفره إلى الإمارات، وذكر أن الأهم من التعويض هو رد كرامة الشعب السوداني.
أما عثمان كمال محمد فيقول، إنه كان ضمن أول دفعة ذهبت إلى الإمارات وهناك كانت المفاجأة غير السارة حين تم تدريبهم على أسلحة مثل الكلاشنكوف والهاون والرشاشات في أجواء كذب وخداع حتى أوصلوهم إلى ليبيا ليكون الإحباط والأسى والدموع وضياع الأحلام وفقدان الأهل والوظيفة بانتظارهم، وتم منعهم من الاتصال بالعالم الخارجي وسط أجواء من الغموض.
وابدى محمد استغرابه من الكذب والخداع الذي وصل حتى إلى طاقم الطائرة التي أقلتهم من الإمارات إلى ليبيا، مشيراً إلى أنه شخصياً سأل الطاقم هل تتجه الطائرة إلى ليبيا فنفوا ذلك، ثم سألهم هل الوجهة هي اليمن فنفوا ذلك قبل أن يبلغوه أن الوجهة لأفريقيا دون تحديد دولة بعينها.
ويضيف محمد أنه حتى بعد أن اعيدوا للإمارات من ليبيا، وأودعوا مدينة العمال السكنية بمدينة بن ياس بدأت الشركة مرحلة من المراوغة والغش متمثلة في مديرها ومستشارها بقولهم إن الشركة سوف تقوم بإرجاع من يرغب للعودة للسودان وأما من أراد البقاء والعمل لديها فسوف يبقى، وكان ذلك بمثابة تخدير وتبريد غضب الشارع السوداني.
ويصف عبد الإله أبو المعالي ما حصل بكونه "تجارة بشر"، مارستها في حقهم الشركة الإماراتية، مبيناً أن أسرهم في السودان عاشت ظروفاً نفسية صعبة وأن واحدا منهم ماتت والدته حسرة وحزناً، بعد أن سمعت بقصة تسفيره للقتال في ليبيا، ووالدة أخرى فقدت عقلها حتى اليوم.
المحامي سليمان الجدي عضو هيئة الدفاع عن ضحايا "بلاك شيلد" الإماراتية أوضح أن الهيئة بدأت إجراءات قانونية متسلسلة، أولاً داخل السودان بتحريك إجراءات قانونية ضد كل الجهات التي يعتقد تورطها في الحادثة، مروراً بملاحقة الشركة الإماراتية إقليمياً ودولياً لأن الجريمة يمكن أن تصنف كجريمة ضد الإنسانية، ويمكن بعد ذلك تصنيف الشركة كشركة إرهابية "إذ يمنع القانون الدولي تجييش مواطني أي دولة للقتال في بلد آخر دون علم حتى الحكومة".
وأشار الجدي إلى أنهم سيطالبون بتعويضات في المحاكم الإقليمية والدولية قد تصل لمليارات الدولارات، كما أنهم سيطالبون بتعويضات على المستوى الداخلي تصل إلى 7 ملايين جنيه سوداني للفرد الواحد كرد اعتبار لكرامتهم، موضحاً أن الحادثة تعد اختبارا حقيقيا للحكومة السودانية الانتقالية التي عليها القتال من أجل السيادة السودانية وفعل كل ما من شأنه الدفاع عن السودانيين.