بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وآله الأخيار المنتجبين.
السلام عليكم حضرات المستمعين وأهلا بكم في هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، وفيها نقدم تفسيرين موجزين لآخر آيتين من سورة يوسف ونبدأ بالآية العاشرة بعد المئة من هذه السورة، حيث يقول تعالى:
حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴿١١٠﴾
في الحلقة الماضية من هذا البرنامج ذكرنا أن الله تبارك وتعالى بعث في الناس الأنبياء والرسل منهم، لا من الملائكة، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط في ظل الهداية النبوية والبصيرة الربانية.
لكن كثير من الناس لم يقبلوا بدعوة الرسل والأنبياء وكذبوا هؤلاء السفراء الربانيين، وهذه الآية تشير الى أن الرسل والأنبياء عليهم السلام، استقاموا على النهج الإلهي ولم يستكينوا ولم يهنوا لأنهم الأعلون.
وكان الكفار يجادلون بغير حق ويقولولن للرسل والأنبياء عليهم السلام؛ لو كنتم على الحق، لنزل من الله العذاب علينا.
ولا ريب أن عذاب الله على الكافرين نازل وأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وكنموذج على العذاب الإلهي الذي يطال الكافر في الدنيا ما حصل مع قوم نوح عليه السلام، فهذا النبي كان يدعوا الناس الى الله ليلا ونهارا وسرا وجهارا وعلى مدى سنين طوال، لكن لم يؤمن به إلا القليل من الناس؛ أما الكثيرون فقد كفروا وحل عذاب الله عليهم وغرقوا في الطوفان كما هو معروف في قصة هذا النبي الكريم عليه السلام.
والى ما نتعلمه من هذه الآية وهو:
- أن من سنن الله تعالى إمهال الكافرين وتأخير عذابهم لكنه تعالى في كل حال من الأحوال يمهل ولا يهمل.
- إن الجزاء والعقاب للكفار والمشركين والملحدين لا يختص بيوم القيامة، بل إنه قد ينزل العذاب الإلهي والناس في الدنيا كذلك.
- ليس للمؤمن أن ييأس من رحمة الله تعالى وليس للكافر أن يأمن من عذابه.
والآن نستمع الى تلاوة الآية الحادية عشرة بعد المئة وهي آخر آية في سورة يوسف عليه السلام:
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴿١١١﴾
تشير هذه الآية المباركة الى أن قصة سيدنا يوسف عليه السلام وما جرى له مع إخوته من أبيه فيها دروس وعبر لأولي الألباب ولا ينبغي أن يتصدر أحد أن القرآن الكريم وقد عرض كثيرا من قصص الماضين هو كتاب تاريخي أو قصصي أو روائي، إنه كتاب إلهي ومقدس ودستور لحياة البشرية في كل زمان ومكان لكن الذين يستفيدون من القرآن هم أولو الألباب وأصحاب العقول، ومن الناس من يقرأ آيات القرآن وقصصه ويمر بها مرور العابرين لا يعتبر منها ولا يستقي من منهلها الفياض وهذا النفر من الناس هم من الخاسرين.
إن أولي الألباب وهم يتدبرون القرآن الكريم، يعلمون جيدا أنه ليس من صنع البشر، بل هو كتاب إلهي نزل به الروح الأمين، جبرائيل عليه السلام، على صدر النبي الكريم محمد (ص)، لهداية البشرية وإنقاذها من الضلال والتيه. والقرآن جاء مصدقا لما قبله من الكتب السماوية مثل التوراة والإنجيل.
وفي القرآن الكريم وعلى مدى سوره المتعددات وآياته المختلفات جاءت حقائق جمة وقوانين ودساتير لشؤون الحياة البشرية المختلفة مثل الشؤون الإقتصادية والشؤون السياسية والشؤون الثقافية وغيرها.
وما يفيده لنا هذا النص الشريف هو:
- أن قصص القرآن الكريم تعرض الوقائع والأحداث الحقيقية لا قصص من نسج الخيال.
- إن أولي الألباب إذا ما تدبروا القرآن، تكون الهداية والرحمة الإلهية من نصيبهم.
- إن سيدنا يوسف عليه السلام رغم كل المؤامرات التي حيكت ضده وصل إلى ما وصل من القدرة والجاه بفضل الله تعالى، وفي قصته دروس وعبر، ذلك أن الإنسان إذا كان عبدا مخلصا لله تعالى فإن الله تعالى يكون في عونه ويلبسه للعز ثوبا وحلة قشيبة.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا للعمل بالقرآن والتدبر في احكامه؛ وهذا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه يقول في وصيته الإلهية الخالدة؛ - الله الله في القرآن فلا يسبقكم الى العمل به غيركم-.
نعم حضرات المستمعين الأفاضل، هكذا أنهينا بعون الله وتوفيقه تفسير سورة يوسف عليه السلام حيث جاء هذا التفسير بإيجاز غير مخل ولا إطناب ممل على مدى ثلاثين حلقة من سلسلة حلقات برنامج نهج الحياة، نأمل أن يكون في هذا التفسير لكم الإفادة وأن يجعله تعالى لنا من الباقيات الصالحات وزادا ليوم المعاد.
يا رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.