بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم في حلقة أخرى وجديدة من برنامج نهج الحياة وتفسير آيات أخرى من سورة يوسف المباركة ونبدأ اولا بتلاوة الآية الثالثة والتسعين من هذه السورة حيث يقول تباركت أسماؤه:
اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَـٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٩٣﴾
إن إخوة يوسف عليه السلام في عاقبة الأمر قد تعرفوا على أخيهم. وأبدوا الخجل والتوبة أمامه لما كانوا قد فعلوا معه من قبل.
إلا أن هذا النبي الكريم كان على جانب عظيم من الخلق فعفى عن اخوته الذين كانوا قد جفوه وعلى العكس، استقبل يوسف عليه السلام إخوته برحابة صدر ودعا الله أن يغفر لهم زلاتهم ويتجاوز عن خطيئاتهم.
وحدث الأخوة، يوسف عليه السلام عن حال أبيهم يعقوب عليه السلام وقالوا إن عيناه ابيضتا من الحزن وهو اليوم كفيف النظر حيث كان الحزن قد سكن في قلبه منذ سنين ولوعة الفراق آلمت قلبه.
هنا قال يوسف عليه السلام إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتي بصيرا. ومما يثير الدهشة إن قميص سيدنا يوسف عليه السلام كان له في هذه القصة عدة أدوار.
ففي بداية القصة أخذ الأخوة قميص يوسف عليه السلام بعد أن لطخوه بالدم ليوهموا أباهم أن الذئب افترس يوسف عليه السلام ولما حل المقام بالصديق في قصر العزيز في مصر شق قميصه من دبر لما أرادت زليخا أن تنال منه وطرا. والقميص هذه المرة يرافق إخوة يوسف عليه السلام الى أرض كنعان ليكون فيه شفاء الأب المشتاق.
إن يعقوب عليه السلام كان نبيا مستجاب الدعوة، لكن إرادة الله تبارك وتعالى شاءت أن يكون شفائه على يد ولده يوسف عليه السلام.
أولياء الله من الأنبياء والأوصياء في وجودهم خير وبركة وحتى في ملابسهم الخير والبركة.
وما نتعلمه من هذا النص:
- إن التبرك بأشياء الأولياء جائز وفيه الشفاء من الأسقام بإذن الله تعالى.
- إن تغيير البيئة بالنسبة الى الذين يحملون خواطر مرة له أثر في تطوير احوالهم أحيانا.
إن نبي الله يوسف عليه السلام حينما دعا أسرته الى القدوم الى مصر اعد بذلك الأجواء لإيجاد تغيير في حياة الأسرة.
والآن الى الآيتين الرابعة والتسعين والخامسة والتسعين من سورة يوسف عليه السلام:
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ ﴿٩٤﴾
قَالُوا تَاللَّـهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴿٩٥﴾
إن العلاقة بين الأب والإبن بين يعقوب ويوسف عليهما السلام علاقة وثيقة بل فوق ذلك أيضا لما تحركت القافلة من مصر وهي تحمل قميص يوسف عليه السلام أحس سيدنا يعقوب بذلك وهو في كنعان وأرض الشام.
إن يعقوب عليه السلام كان يشم طيب يوسف وقميصه رغم بعد المسافة، اما افراد أسرته فما كانوا ليقبلوا منه هذا القول إذ أنهم كانوا يرون أن يوسف عليه السلام قد طواه الموت منذ أمد ولهذا اعتبرت الأسرة أن يعقوب عليه السلام يعيش في الأوهام وفي تصورات الماضي، لكن مهما كان فإن سيدنا يعقوب عليه السلام قد أيقن أن ولده يوسف عليه السلام على قيد الحياة، ولعل ما حصل عند هذا النبي من يقين مرده إلى أمرين:
- علم الغيب وهو من علم الله تعالى يفيض به أو بمقدار منه على من يشاء من عباده.
- العامل النفسي في توقع بعض الأمور وهو مايسميه علماء النفس الحاسة السادسة.
أجل لقد شاءت إرادة الله أن يمر يوسف عليه السلام بالعديد من الإختبارات الإلهية ليكون مؤهلا لزعامة بلد مثل مصر، وشاءت إرادة الباري كذلك أن يلبس سيدنا يعقوب عليه السلام في كل تلك المدة حلة الصبر وإن الله مع الصابرين.
وعلاوة على ما ذكر فإنه لابد من الإشارة الى نقطة أخرى وهي أنه لاينبغي التطاول الى سامق علم الكبراء واتهامهم بالجنون لمجرد عدم إدراك كنه كلامهم.
وفي التاريخ شواهد على انه قد حصل من ذلك مع العديد من أنبياء الله عليهم السلام.
أما ما نتعلمه من هذا النص الكريم فهو:
- وجود الحاسة السادسة عند البعض لا عند الجميع من الناس وهذا من فضل الله.
- لا ينبغي انكار ما لا يدركه الانسان فربما إدراكه قاصر عن ذلك.
غفر الله لنا ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.