بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الميامين.
أهلا بكم حضرات المستمعين في حلقة أخرى من هذا البرنامج حيث نواصل تفسير آيات أخرى من سورة يوسف المباركة ونبدأ بتلاوة للآيتين الثامنة والسبعين والتاسعة والسبعين من هذه السورة:
قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٧٨﴾
قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ ﴿٧٩﴾
في الحلقة السابقة ذكرنا أن يوسف عليه السلام وضع خطة لإبقاء أخيه بنيامين إلى جانبه في مصر بعد أن وضع مكيال الملك الثمين في متاع بنيامين وصار بنيامين في الظاهر سارقا وكان عليه أن يبقى رهينة عند عزيز مصر.
وما يفيده هذا النص أن إخوة يوسف عليه السلام داخلهم القلق والإضطراب حينما تذكروا القسم الذي أدوه عند أبيهم في الحفاظ على روح بنيامين وإعادته سالم.
هنا إقترح الأخوة أن يفرج عن بنيامين ليعود الى يعقوب على أن يحل محله أحد الأخوة.
بيد أن يوسف عليه السلام وكان قد نسق في الأمر مع أخيه بنيامين رفض اقتراح الاخوة واعتبره مغايرا لقوانين مصر.
من جهة أخرى كان يوسف (ع) يخاف على أخيه بنيامين إذ لو استعاض عنه بأحد من الأخوة لكانت النتيجة تعرض بنيامين للأذى من إخوته في مدة السفر والتعريف به سارقا أمام أبيه وفي هذا ذهاب ماء وجهه وهو لم يقترف ذنبا على الاطلاق.
وما نتعلمه من هذا النص:
- إن من كانوا يريدون إذلال يوسف عليه السلام بالأمس ها هم اليوم ينادونه (يا عزيز مصر). وهذه هي سنة الله في الخلق إذ أنه تعالى بقدرته يذل الظالمين ويرفع شأن المظلومين ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
- إن على الجميع مراعاة القانون، ولايجوز التخلف عن القانون أو تخطيه حتى من قبل المسؤولين.
وإلى الآية الثمانين من سورة يوسف عليه السلام حيث يقول تباركت أسماؤه:
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ۖ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّـهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّـهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴿٨٠﴾
بعد أن يئس إخوة يوسف من إسترداد أخيهم بنيامين قال أكبر الأخوة لما عزموا العودة إنه لا يعود معهم.
وبرر ذلك بأن لا سبيل للعودة لأن أبانا لن يغفر لنا ما فعلنا ولا عودة إلا أن يأذن الأب أو يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين. وما يستفاد من هذا النص:
- لابد من تنفيذ أي قانون بكل حزم ولاداعي هنا لقبول ترجي الآخرين أو توسلهم إذ بذلك تضيع الحقوق وتعم الفوضى.
- إن أخذ العهود والمواثيق يؤدي الى مراعاة الجدية في أداء الأعمال وعدم التساهل فيها.
والى الآيتين الحادية والثمانين والثانية والثمانين من سورة يوسف (ع):
ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴿٨١﴾ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴿٨٢﴾
وبعد أن تداول إخوة يوسف (ع) في أمر بنيامين، قال كبير الأخوة لابد لي من البقاء في مصر عسى أن أتمكن من إنقاذ بنيامين وإقناع العزيز بإخلاء سبيله وأوصى الأخ الكبير سائر إخوته بالعودة الى أبيهم وإخباره بما حدث كما رأوا.
وتم الاتفاق على إفهام يعقوب (ع) بما حدث وتوثيق الكلام بشهادة أفراد في القافلة.
على أي حال لم يكن في الأمر هذه المرة خدعة، لكن كيف السبيل الى اقناع يعقوب عليه السلام ليقبل ما جرى لولده بنيامين، ذلك أنه كان قد لمس من قبل كذب أبنائه وما فعلوا مع يوسف عليه السلام حينما ألقوه في غيابة الجب وادعوا أن الذئب قد أكله والذئب بريء من دم ابن يعقوب.
كان الأخ الأكبر يريد أن يقدم الدليل والشاهد لأبيه كي لا يسيء الظن به، لكن ما يستفاد من هذا النص هو:
- لا ينبغي إصدار الحكم بعجل ضد أي متهم إلا إذا قام الدليل على إدانته. الأخ الأكبر قال إن بنيامين قد ألقي القبض عليه بتهمة السرقة لكننا لسنا واقفين على حقيقة الأمر.
- الماضي السيء لايخدم صاحبه وإذا ما كذب الإنسان وكذب فإنه من الصعب من بعد ذلك تصديقه وإن كان صادقا في قوله. إذن فما أجدر بالإنسان أن يكون له ماض نظيف.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل عاقبة أمورنا الى خير وأن يجنبنا الكذب والمعصية ويأخذ بأيدينا على سبيل الهداية والرشاد إنه سميع الدعاء.
حضرات المستمعين الأفاضل سنتابع تفسير آيات أخرى من سورة يوسف في الحلقة القادمة إن شاء الله.