سلامٌ من الله عليكم أيها الاخوة والأخوات، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج وكلنا أملٌ ورجاءٌ أن يعيننا الله عزوجل من خلاله على تلبية وصية حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله بالتخلق بأخلاق الله عزوجل. والخلق الإلهي الذي نتناوله في هذه الحلقة أيها الأعزاء هو تكريم الإنسان وهو من أخلاق الله التي صرح بها القرآن الكريم في قوله تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" . وقد ذكر العلماء أن من أعظم مصاديق تكريم الله جل جلاله للإنسان هو إعطاؤه حق الإختيار على أن مصاديق هذا التكريم كثيرة نتلمسها من خلال التدبر في سيرة سادات المتخلقين بأخلاق الله عزوجل محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا ما نسعى لبعضه في هذا اللقاء، فتابعونا مشكورين. من مصاديق تخلق المؤمن بخلق الله في تكريم عباده عدم الإستكبار عن أي منهم وهذا ما تبينه بوضوح الرواية الأولى في هذا اللقاء، وقد رواها الشيخ الجليل العياشي في تفسيره عن مسعدة قال: مر الحسين بن علي عليه السلام بمساكين قد بسطوا كساءً لهم فألقوا عليه كسرا فقالوا :هلم يا ابن رسول الله فثنى (رجله ونزل) ثم تلا: "انه لا يحب المستكبرين" ، ثم قال: "قد أجبتكم فأجيبوني" ، قالوا: نعم يا ابن رسول الله وقاموا معه حتى اتوا منزله. فقال للرباب: أخرجي ما كنت تدخرين. فأطعمهم وكساهم تكريماً لهم ومكافأةً على دعوتهم له. أما النموذج الثاني فنختاره مستمعينا الأفاضل من سيرة مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام وفيه تتجلى قيم المتخلقين بأخلاق الله عن قيم البعيدين عنها والقابعين في مستنقع الجاهلية. روى الشيخ الكليني بسنده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام إن علي بن الحسين صلوات الله عليهما تزوج سرية كانت للحسن بن علي عليهما السلام، فبلغ ذلك عبد الملك بن مروان وكان يومها حاكم المسلمين فكتب إليه في ذلك كتاباً يقول فيه إنك صرت بعل الإماء، فكتب إليه علي بن الحسين عليهما السلام: "إن الله رفع بالاسلام الخسيسة، وأتم به الناقصة، وأكرم به من اللؤم، فلا لؤم على مسلم إنما اللؤم لؤم الجاهلية، إن رسول الله صلى الله عليه وآله أنكح عبده ونكح أمته" . قال الإمام الصادق عليه السلام فلما انتهى الكتاب إلى عبد الملك قال لمن عنده: أخبروني عن رجل إذا أتى ما يضع الناس لم يزده إلا شرفا؟ قالوا: ذاك أمير المؤمنين قال: لا والله ماهو ذاك؟ قالوا: ما نعرف إلا أمير المؤمنين قال: فلا والله ما هو أمير المؤمنين ولكنه علي بن الحسين. ونبقى مع سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام وحادثة فيها لمسة كريمة تعلمنا الإهتمام بتكريم من وقف في موقف الإذلال وتوقع من الناس الإهانات، فقد روى الطبري قال: قال الواقدي كان هشام بن أسماعيل يؤذي علي بن الحسين عليه السلام في امارته يعني وهو والٍ على المدينة، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال هشام: ما أخاف الا من علي بن الحسين، فمر به علي بن الحسين وقد وقف عند دار مروان، وكان علي قد تقدم الى خاصته الا يعرض له أحد بكلمة، فلما مر ناداه هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالته. وزاد ابن فياض في الرواية في كتابه أن زين العابدين انفذ اليه وقال: أنظر الى ما أعجزك من مال توخذ به، فعندنا ما يسعك فطب نفسا منا ومن كل من يطيعنا، فنادى هشام الله أعلم حيث يجعل رسالته. ايها الاخوة والاخوات، ونلتقي في سيرة مولانا الامام الباقر عليه السلام بنموذج لتكريم الانسان من خلال احترام رغباته في غير المحرم وحتى اذا لم نكن نرغب، تأملوا اعزاءنا في الحادثة التي رواها ثقة الاسلام الكليني في كتاب الكافي بسنده عن الحسن الزيات البصري، قال: دخلت على أبي جعفر الباقر عليه السلام أنا وصاحب لي فإذا هو في بيت منجد، أي ذي أثاث فاخر وعليه ملحفة وردية، وقد حف لحيته واكتحل، فسألنا عن مسائل، فلما قمنا، قال لي: ياحسن، قلت: لبيك قال: إذا كان غدا فأتني أنت وصاحبك، فقلت: نعم جعلت فداك، فلما كان من الغد دخلت عليه وإذا هو في بيت ليس فيه إلا حصير وإذا عليه قميص غليظ، ثم أقبل على صاحبي، فقال: يا أخا البصرة إنك دخلت علي أمس وإنا في بيت المرأة وكان أمس يومها، والبيت بيتها، والمتاع متاعها، فتزينت لي وعليّ أن أتزين لها كما تزينت لي، فلا يدخل قلبك شئ، فقال له صاحبي: جعلت فداك قد كان والله دخل في قلبي فأما الآن فقد والله أذهب الله ما كان، وعلمت أن الحق فيما قلت. إنتهى أحباءنا مستمعي صوت الجمهورية الإسلامية في إيران لقاء اليوم من برنامج (من أخلاق الله)، تقبلوا منا خالص الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله.