بسم الله وله الحمد والمجد أرحم الراحمين وصلواته الزاكيات على معادن رحمته العظمى للعالمين محمد وآله الطيبين. السلام عليكم أعزائنا المستمعين، طابت أوقاتكم بكل خير، من بينات أخلاق الله عزوجل أنه منزه عن أن يلهو أو يلعب بلا هدف أو يقوم بشئ عبثا، فله جل جلاله هدف خير من كل ما يقوم به. وهذه الهدفية المسؤولة نجدها في أخلاق أوليائه المقربين من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وفي مختلف مراحل أعمارهم. فخلق الهدفية هذا هو من مصاديق إتيان الحكمة، روي في تفسير مجمع البيان عن علي بن أسباط قال: قدمت المدينة وأنا أريد مصر، فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليهما السلام) وهو إذ ذاك خماسي (أي ابن خمس سنين)، فجعلت أتأمله لأصفه لاصحابنا بمصر، فنظر إلي فقال لي: "يا علي، إن الله قد أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة"، قال: "ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما"، وقال: "واتيناه الحكم صبيا"، فقد يجوز أن يعطي الحكم ابن أربعين سنة، ويجوز أن يعطاه الصبي.
مستمعينا الأكارم وقد روي في روايات قصص الأنبياء أنه قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الغلمان ليحيى بن زكريا (عليه السلام): اذهب بنا نلعب، فقال يحيى (عليه السلام): ما للعب خلقنا! اذهبوا نصلي، فهو قول الله: "وآتيناه الحكم صبيا".
أعزائنا المستمعين، وقد تجلى هذا الخلق الإلهي والنبوي في سير أئمة أهل البيت عليهم السلام منذ بدء حياتهم، فمثلا اشتهر الإمام الحسن العسكري بأن أخلاقه كانت قبسا من أخلاق جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، في هديه وسكونه، وعفافه ونبله وكرمه، وكان على صغر سنه مقدما على العلماء والرؤساء، معظما عند سائر الناس. روي في كتابي درر الأصداف ونور الأبصار والصواعق المحرقة إنه وقع لبهلول مع الإمام الحسن العسكري عليه السلام أنه رآه وهو صبي يبكي، والصبيان يلعبون، فظن أنه يتحسر على ما في أيديهم، فقال: اشتري لك ما تلعب به؟ فقال: "ما للعب خلقنا"، فقال له: فلماذا خلقنا؟ قال: "للعلم والعبادة"، فقال له: من أين لك ذلك؟ قال: من قول الله عزوجل: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا، وأنكم إلينا لا ترجعون".
مستمعينا الأفاضل، من أثار التخلق بخلق الهدفية المسؤولة وإجتناب اللهو واللعب، أن الإنسان يتطهر من أخلاقيات الأسراف والتبذير وذلك نتيجة عن شعوره المستمر بالمسؤولية عن أفعاله، وهذا ما كانت تؤكد عليه وصايا أئمة العترة المحمدية عليهم السلام، فمثلا روى الشيخ الكليني في كتاب الكافي بسنده عن ياسر خادم الإمام الرضا عليه السلام قال: أكل الغلمان يوما فاكهة فلم يستقصوا أكلها ورموا بها، فقال لهم أبو الحسن عليه السلام: "سبحان الله إن كنتم إستغنيتم فإن أناسا لم يستغنوا أطعموه من يحتاج إليه".
أيها الاخوة والأخوات، من أخلاق الله عزوجل إنه لايخيب من أمله ولجأ إليه مهما كان ذنبه، فهو عزوجل حصن اللاجئين الآمن. وقد تجلى هذا الخلق النبيل في أهل بيت نبيه الأكرم صلى الله عليه وآله بصورة فريدة لا نظير لها، لاحظوا أحبائنا ما فعله الإمام زين العابدين عليه السلام عندما لجؤوا إليه بعد إرتكابهم لجريمتهم العظمى في واقعة الطف الدامية، قال المؤرخون: عندما ثار أهل المدينة على يزيد بعد مجزرة كربلاء، وأرادوا قتل الوالي ورجال الدولة من بني أمية، أخذ رجالهم بالهرب من المدينة، وبحثوا عمن يأوي نساءهم وأطفالهم، فآواهم الإمام زين العابدين عليه السلام وأطعمهم وسقاهم كعائلته، وحماهم حتى بلغهم مأمنهم! قال الطبري في تاريخه: (وقد كان علي بن الحسين لما خرج بنو أمية نحو الشام (أي هربوا بسبب ثورة أهل المدينة عليهم) اوى اليه ثقل مروان بن الحكم وامراته عائشة بنت عثمان بن عفان، وهي أم أبان بن مروان! وقد حدثت عن محمد بن سعد عن محمد بن عمر قال: لما أخرج أهل المدينة عثمان بن محمد من المدينة كلم مروان بن الحكم ابن عمر أن يغيب أهله عنده فأبى ابن عمر أن يفعل! وكلم علي بن الحسين وقال: يا أبا الحسن إن لي رحما وحرمي تكون مع حرمك فقال: أفعل، فبعث بحرمه إلى علي بن الحسين، فخرج بحرمه وحرم مروان حتى وضعهم بينبع).
نشكر لكم أعزائنا مستمعي إذاعة طهران طيب صحبتكم لنا في حلقة اليوم من برنامج (من أخلاق الله)، الى لقائنا المقبل نترككم في رعاية الله.