بسم الله وله جزيل الحمد وخالص الشكر إذ رزقنا حب التخلق بأخلاقه الكريمة وجعلنا من أهل مودة وموالاة صفوته الطيبين الذين يعرفوننا بأخلاقه الهادي المختار وآله الأطهار. السلام عليكم إخوة الإيمان، تحية مباركة طيبة يسرنا أن نهديها لكم في مطلع هذه الحلقة من برنامجكم (من أخلاق الله). ومن أخلاقه عزوجل التي نبهت لها الأحاديث القدسية وأدعية أهل البيت عليهم السلام أنه جل جلاله لايخيب ظن من أحسن الظن به، وقد جاء في الحديث القدسي المشهور: "أنا عند ظن عبدي بي". وصرحت الأحاديث الشريفة بأنه ما عبد الله عزوجل بشئ أحب إليه من حسن الظن به. الرواية الأولى في هذا اللقاء تبين لنا مستمعينا الأكارم نموذجا يعلمنا فيه مولى الموحدين مولانا الوصي المرتضى عليه السلام كيفية التخلق بهذا الخلق الإلهي الكريم.
في كتاب مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) روى محمد بن سليمان الكوفي عن بكر بن عبد الله المزني: أن عليا عليه السلام دعا غلاماً له فلم يجبه فخرج فإذا هو بباب البيت فقال: "ما منعك من إجابتي؟ أما سمعت دعائي؟" قال: بلى ولكني كسلت عن إجابتك وأمنت عقوبتك! فقال (علي عليه السلام): "الحمد لله الذي جعلني ممن يأمنه خلقه اذهب فأنت حر لوجه الله!".
ونموذج آخر يبين لنا مصداقا ثانيا للتخلق بخلق الله عزوجل في عدم تخييب من أحسن به ظنا نختاره من سيرة إمامنا السجاد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، فقد روى الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي بسنده ضمن حديث قال الراوي: جعلت جارية لعلي بن الحسين (عليهماالسلام) تسكب الماء عليه وهو يتوضأ للصلاة، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين (عليهما السلام) رأسه إليها، فقالت الجارية إن الله عزوجل يقول: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ". فقال لها: "قد كظمت غيظي"، قالت: "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ". قال: "قد عفا الله عنك". قالت: "وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ". قال: "اذهبي فأنت حرة".
أيها الإخوة والأخوات، ومن أخلاق الله عزوجل أنه لايؤاخذ الإنسان على مالم يتعمده من السيئات، فهذا النمط من السيئات هو مما يعفو الله عزوجل عنه إبتداءا ويذهب بكرمه الروع عمن داخله خوف من سيئة لم يتعمد القيام بها وهذا من محض العدل والكرم. في الرواية التالية يقدم لنا مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام نموذجا ساميا للتخلق بهذا الخلق الإلهي الكريم. في مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم روى الشيخ محمد بن طلحة الشافعي رحمه الله وضمن حديثه عن مناقب مولانا الإمام زين العابدين أنه كان عنده (عليه السلام) أضياف فأستعجل خادما له بشواء كان في التنور فاقبل الخادم مسرعا، فسقط السفود من يده على رأس ولد لعلي بن الحسين تحت الدرجة، فأصاب رأسه فقتله، فقال علي للغلام وقد تحير الغلام واضطرب: (أنت حر، فإنك لم تتعمد) وأخذ في جهاز إبنه ودفنه.
مستمعينا الأفاضل، ومن أخلاق الله عزوجل أنه يكرم عباده على أساس التقوى والعمل الصالح لا على أساس الحب والنسب فأكرمهم عليه أتقاهم، كما أن من أخلاقه نبذ الظلم بمختلف أشكاله وهو لا يهدي الظالمين وينهى عن معونتهم. مصداق دقيق لكلا هذين الخلقين الكريمين نتعلمهما من مولانا الإمام الباقر عليه السلام في الموقف الناصح الذي رواه الشيخ الجليل الكشي في كتاب الرجال بسنده عن عقبة بن بشير الأسدي قال: دخلت على أبي جعفر الباقر عليه السلام فقلت: إني في الحسب الضخم من قومي وإن قومي كان لهم عريف فهلك، فأرادوا أن يعرفوني عليهم فما ترى لي؟ أي يجعلوه عريفا للسلطان عليهم. قال إبن البشير: فقال أبو جعفر عليه السلام: "تمن علينا بحسبك؟ إن الله تعالى رفع بالإيمان من كان الناس سموه وضيعاً إذا كان مؤمنا، ووضع بالكفر من كان يسمونه شريفا إذا كان كافرا، وليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله، وأما قولك إن قومي كان لهم عريف فهلك، فأرادوا أن يعرفوني عليهم، فإن كنت تكره الجنة وتبغضها فتعرف على قومك، ويأخذ سلطان جائر بامرئ مسلم لسفك دمه فتشركهم في دمه وعسى لا تنال من دنياهم شيئا".
رزقنا الله وإياكم مستمعينا الأكارم حسن التأسي بأولياء الله المقربين محمد وآله الطاهرين في جميل تخلقهم صلوات الله عليهم بأخلاق ربهم الجليل تبارك وتعالى. وبهذا ينتهي لقاؤنا بكم من برنامج (من أخلاق الله) تقبل الله منكم حسن المتابعة والإصغاء ودمتم في رعاية الله.