حضرات المستمعين الكرام السلام عليكم واهلاً بكم في حلقة اخري من برنامج مشاهير الفكر الأيراني منار للبشرية.
اعزاءنا، من العوامل المساعدة علي انتشار الفكر الأيراني في العالم عامل اللغة.
ويبدو لنا من الدراسات التاريخية ان الأيرانيين وبعد دخول الأسلام ايران جعلوا من اللغة العربية لغة الفكر والعلم وجعلوها لغة عالمية وجسر ارتباط مع ثقافات سائر شعوب العالم.
نعم ان اللغة العربية كانت لغة العلم والأدب في المحافل العلمية في ايران حتي القرن الرابع الهجري ومنذ ذلك التاريخ حلت اللغة الفارسية محل العربية لغة العلم والفكر والحضارة والمدنية.
اجل لقد نهض الأيرانيون باللغة الفارسية انذاك وجعلوها تنال مراتب عليا في العالم.
والحقيقة ان مرور الزمن جعل اللغة الفارسية تحل محل اللغة العربية في المخاطبات العلمية والأدبية واذا عدنا الي ماضي التاريخ لرأينا ان الدولة الساسانية التي قامت في ايران بعد الميلاد وقبل الأسلام تبنّت اللغة البهلوية واللغة السريانية ولم يكن للفارسية المعهودة اليوم ذلك الزمن، مكان في المكاتبات والمدونات وشيئاً فشيئاً ازداد الأقبال علي اللغة الفارسية في العصور الأسلامية التالية.
نعم ان اللغة البهلوية في العصر الساساني كانت لغة البلاد الرسمية ولغة المدونات والمكتوبات فيما كانت اللغة الفارسية لغة التحاور ليس الا.
واذا اردنا المقارنة بين اللغتين لرأينا ان الفارسية اسهل وأسلس من البهلوية ومن هنا نالت شهرة في دنيا الفكر والثقافة عند الأيرانيين.
وتمكنت اللغة الفارسية ان تأخذ من اللغة العربية العديد من المصطلحات العلمية والأدبية والأدارية وكما كنا قد اشرنا فإن اللغة العربية في قالها الأكاديمي والعلمي هي من صنع علماء اللغة من الأيرانيين مثل سيبويه.
ولا ينبغي ان يساء فهم ما ورد من كلام بخصوص اللغة العربية. فهي لغة متينة وذات تاريخ طويل ولم يتم التخلي عنها في ايران في العصر الأسلامي.
يحدثنا التاريخ ان اللغة العربية كانت لغة المكاتبات الرسمية والحكومية في ايران في عهد الدولة البويهية والدولة السامانية والدولة الطاهرية.
مستمرون معكم في برنامج [ مشاهير الفكر الأيراني منار للبشرية] من اذاعة طهران- صوت الجمهورية الأسلامية في ايران من بعد فاصل نتابع الحديث.
اعزاءنا، يذكر المؤرخ الشهير ابوالحسن علي ابن الحسين المسعودي في كتابه ((الشهير مروج الذهب ومعادن الجوهر)) ان اللغة الفارسية في القرن الرابع الهجري راجت كثيراً في مناطق مختلفة من ايران في غربها وفي شرقها وشمال شرقها وفي ارمينيا وآذربايجان وهذه الحقيقة التاريخية ايدها عالم الجغرافيا المسلم المعروف المقدسي في كتابه الموسوم ب [ احسن التقاسيم في معرفة الأقاليم].
ومنذ حكم الأتراك السلاجقة اعتبرت اللغة الفارسية لغة رسمية للبلاد.
وعلي الرغم من ان السلاجقة كانوا اتراكاً وينحدرون من العنصر التركي فقد اتخذوا اللغة الفارسية لغة رسمية لما لهذه اللغة من مقومات وامتيازات.
ولا احد ينكر الدور المهم للكتاّب والأدباء والعلماء والشعراء الأيرانيين في تدعيم مباني اللغة الفارسية واشاعتها في اروقة الفكر والثقافة والحضارة.
ومضت ادوار التاريخ يتلو بعضها بعضاً وجاء القرن السابع الهجري حيث تعرضت ايران للغزو المغولي ولكن المغول حين حكمهم لأيران لم يغيروا من وضع اللغة الفارسية في المجتمع العلمي والأدبي والفكري. لا بل علي العكس وكما هو ثابت تاريخياً فأن المغول انصهروا في بودقة الحضارة الأيرانية وجذبتهم اللغة الفارسية بما فيها من جاذبية باهرة.
واضافة الي ان خانات المغول جعلوا اللغة الفارسية لغة التخاطب الرسمي في بلاطهم، فإن هذه اللغة في عصرهم انتشرت في مناطق واسعة من قارة آسيا فوصلت الي شبه القارة الهندية والي بلاد الصين كذلك.
ومن الملفت القول هنا إن وثائق تاريخية توجد اليوم تخبرنا أن شخصيات سياسية وعلمية في العصور السابقة كانت تستخدم في كتاباتها ومحاوراتها اللغة الفارسية.
يذكر لنا التاريخ ان [ كيوك خان] من حكام المغول كتب الي البابا في عصره كتاباً كان باللغة الفارسية.
وأن الرحالة الشهير ماركو پولو كان يجيد اللغة الفارسية وانه كتب الكثير من المصطلحات الجغرافية الخاصة ببلاد الصين باللغة الفارسية.
حضرات المستمعين الأفاضل في الحلقة القادمة من هذا البرنامج سنعرض لكم بعضاً مما كتبه الرحالة ابن بطوطة المغربي حول اللغة الفارسية.
دمتم سالمين والسلام خير ختام