السلام عليكم – إخوتنا الأعزّة المؤمنين – ورحمة الله وبركاته.
الصّديقة الزهراء صلوات الله عليها جوهرةٌ إلهية اصطنعها الله تبارك وتعالى على عينه برحمته، فما كان منها إلّا الخير والشفقة والطّيبة والحنان، ولم تكن قد تجاوزت الخامسة من عمرها المبارك حتّى توفيت والدتها خديجة سلام الله عليها، فما كان منها إلّا أن جعلت تلوذ بأبيها رسول الله وتدور حوله وتقول له: أبه أين أمّي؟ فما أسرع أن بعث الله تعالى جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ أمّك في بيتٍ من قصب (أي من دُرٍّ مستطيل)، كعابه من ذهب، وعمده ياقوتٌ أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران. عندها هدأت فاطمة وقالت: إنّ الله هوالسلام، ومنه السلام، وإليه السلام. وأمّا مع أبيها – أيها الإخوة الأحبّة – فقد كانت فاطمة صلوات الله عليها بحقٍّ أمَّ أبيها، حيث افاضت على رسول الله من الحنان مالم تفض أمٌّ على أبنائها، وخافت عليه وتلهفّت على سلامته، فما شعرت من ملأ لقريش اجتمعوا يتعاقدون على الغدر بالنبي صلى الله عليه واله حتى أسرعت الصديقة فاطمة مقبلة تبكي وتقول لأبيها: هذا الملأ من قومك تعاقدوا عليك: فطلب منها ماءً لوضوئه فأتته به، فدعا عليهم، فهدأت.. ويوم ألقى جفاة القوم سلى جمل على ظهر رسول الله وهو ساجد، أسرعت اليه بضعته الطاهرة فاطمة وهي باكية، فرفع رأسه ودعا عليهم، فهدأت فاطمة وهي تسمعه يقول ((اني مظلوم فانتصر)) وقامت الحروب والمعارك بين الاسلام والكفر وفاطمة لاتستقر على مكان فهي تلاحق أباها، تنتظره مرة، وتسعفه اخرى وقد قدم مرة من غزاة له فدخل المسجد فصلى ركعتين ثم اتى ابنته فاطمة بدأ بها قبل بيوت زوجاته فاستقبلته فاطمة عليها السلام وجعلت تقبل وجهه وعينه وهي تبكي، فسألها: ما يبكيك؟ فأجابته: أراك قد شحب لونك!
ويوم شج رسول الله في أحد ورأت فاطمة ما بوجه أبيها، تقدمت اليه فاعتنقته وهي تبكي ثم جعلت تمسح الدم عن وجهه الطاهر فلما جاء علي بالماء أخذت تغسل وجهه بحنانها ثم أخذت قطعة حصير فأحرقتها، وأخذت رمادها فألصقته بالجرح فرقأ الدم.
ولم تترك الزهراء فاطمة أباها ساعة الا وتفقدته، تبره بخدمة أوقضاء حاجة، فدخل عليها يوماً، فما كان عندها الا كسرة يابسة من خبز شعير، فقدمتها له، فأفطر عليها صلى الله عليه واله ثم قال لها: يابنية هذا أول خبز أكل أبوك منذ ثلاثة أيام فما سمعت فاطمة ذلك حتى أخذت تبكي ورسول الله يمسح وجهها المبارك بيده المباركة، ولقد كان من شدة تعلقها بأبيها المصطفى الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أن أصبحت انفاسها الشريفة تتابع أنفاسه ونظراتها تتابع حركاته بل كان قلبها ينبض مع قلب أبيها، حتى روي أن أبليس يوم صاح بالمدينة بعد معركة أحد: قتل محمد! خرجت فاطمة تعدو على قدميها حتى وافت أباها وقعدت بين يديه. قالوا: وكانت سلام الله عليها اذا بكى رسول الله (ص) بكت، واذا انتحب انتحبت!