في تلك الأيام، تولى الشيخ «غلام حسين البروجردي» وهو من فضلاء عصره وأحد أصدقاء الأسرة، تدريس «علي أكبر» الذي غالبا ما كان يقول إن ما لديه هو نتيجة ما تعلمه من هذا الرجل العظيم من الدروس القديمة. مع تتابع الأيام وبعد إفتتاح المدرسة السياسية في العاصمة الإيرانية، التحق «دهخدا» بهذه المدرسة لتعلم مبادئ العلوم الحديثة واللغة الفرنسية. وفي عام ۱۹۰۲ التحق بوزارة الخارجية وله من العمر أربع وعشرون سنة ... أثناء ذلك إصطحبه «معاون الدولة غفاري» السفير فوق العادة لدى دول البلقان، إلى أوروبا. فمكث «دهخدا» فيها وخاصة في العاصمة النمساوية فيينا عامين ونصف العام، ما أتاح له تعلّم الفرنسية وتحصيل العلوم الحديثة.
نضاله السياسي
مع عودة «دهخدا» من دول البلقان، إندلعت ما تسمى «الثورة الدستورية» في ايران. فرأى «دهخدا» المتطلع لتطور البلد ورقيه رأى في الثورة ما يكفل بلوغ هدفه هذا. وما إن دخل البلاد حتى تم توظيفه في مديرية الطرق العامة في خراسان. وبعد ستة أعوام، دعي للعمل محرراً في صحيفة «صور إسرافيل» بطهران.
انخراط «دهخدا» للعمل في صحيفة «صور اسرافيل» كان في الحقيقة إيذاناً ببدء نشاطه السياسي.
العدد الأول من الصحيفة التي كانت في الحقيقة صحيفة أسبوعية، صدر في السابع عشر من شهر ربيع الأول عام ۱۳۲٥ هـجري قمري أي: بعد ستة شهور من إعلان نظام الملكية الدستورية في ايران.
صحيفة «صور اسرافيل» كانت السلاح الأهم لدعاة النظام البرلماني الدستوري. إذ إستطاعت ولأول مرة نشر مواضيع ساخرة وأخباراً، ومقالات سياسية ومطالب عامة الناس حينذاك، بمنتهى الدقة والدهاء. تلك الصحيفة قد تكون الأولى التي كان يطالعها عموم الناس.
أشهر ما كانت تنشره الصحيفة عمود عنوانه "جرند و برند"، أي: الهذيان والمهمل من الكلام لكاتبه "علي اكبر دهخدا" فكان هذا العمود يحظى بالإهتمام لسببين: الأول أسلوب الكتابة الذي قد يكون جديداً في الفارسية. وكما يرى الكثير من المؤرخين أن الأسلوب المتبع في "جرند وبرند" كان مستحدثاً تماماً، وهو ما يستوحى ويستمد منه الكثير في ما يكتب بالفارسية اليوم. إلى جانب ذلك، كانت براهين "دهخدا" وطعونه السياسية فذة في الدفاع عن الدستور، وكان لها أيضاً بالغ الأثر في مناصرة الجمهور ودعمه لنظام الحكم الدستوري.
معجم دهخدا
معجم "دهخدا" وهو أهم ما كتبه هذا اللغوي الجليل وأيضاً أهم ما كتب بالفارسية حديثاً. كما لهذه الموسوعة الكبيرة في اللغة والأعلام ما يدين لمؤلفه من شهرة وإحترام. ولم يسبق "دهخدا" من أسدى للفارسية هذه الخدمة العظيمة سوى صاحب الشاهنامة الخالدة الشاعر الملحمي الكبير في أوائل القرن الهجري الخامس أبي القاسم الفردوسي. فقد ترك تأليف "معجم دهخدا" أثره المشهود في خلود اللغة الفارسية. فمن خلال هذا المعجم يمكن العثور على كل المفردات الفارسية والمحلية، وأيضاً كل المدن والقرى والأرياف والمفردات العلمية والثقافية وحتى المفردات العربية.
فأمام كل مفردة؛ مفهومها اللغوي، إستخداماتها، كيفية تلفظها الصحيح، ألأستشهاد ببعض الأشعار وبكثير من المعلومات ذات الصلة.
"معجم دهخدا" هو موسوعة، وهو مرجع لصنوف العلوم وهو كما يدل عليه إسمه، معجم لغوي. فوجود هذا الكتاب في كل بيت وفي كل مكتبة أو في أي مكان آخر، نعمة كبيرة.
وقد إعتمد العلامة "علي اكبر دهخدا" في كتابة معجمه الذي استغرق خمسين سنة؛ أي: معظم عمره المعطاء، بين ثلاثة وأربعة ملايين شاخص أو قصاصة ورق توضيحية، ما كلفة سهر الليل وعناء النهار.
بادر هذا اللغوي والأديب الكبير، إلى جمع هذه القصاصات الورقية من أمهات نصوص أساتذة الشعر والنثر في الفارسية والعربية، ومن المطبوع والمخطوط من المعاجم، وكتب التاريخ والجغرافيا، والطب، والرياضيات، والهندسة، والفلك، والحكمة، وعلم الكلام، والفقه و..
ففي العام الميلادي ۱۹٤٥، بلغ عدد ما جمعه من القصاصات الورقية ما يؤمّن طبع هذا المعجم النفيس، الذي أقره ما كان يعرف في حينه باسم مجلس الشورى الوطني الإيراني.
آثاره الأخرى
إلى جانب هذا المعجم اللغوي، ألذي كان أثر دهخدا الأهم، هناك كتب ثمينة أخرى، أهمها كتاب "أمثال وحكم" وهو كتاب في الأمثال، والحكم، والآيات القرآنية، والأشعار، والأخبار والأحاديث المألوفة في اللغة الفارسية. وله أيضاً بعض الكتب المترجمة من الفرنسية الى الفارسية، مثل: كتاب "عظمة الروم وانحطاطها" وكتاب "روح القوانين" لمؤلفهما الكاتب الفرنسي المعروف "منتسكيو".
إلى جانب ما تقدم انهمك "دهخدا" في تأليف "المعجم الفرنسي- الفارسي" المتضمن للمفردات العلمية، والأدبية، والتاريخية، والجغرافية، والطبية باللغة الفرنسية وما يعادلها في اللغتين الفارسية والعربية. وقد استخرج دهخدا ذلك بتتبعه المتناهي في الدقة والإمعان، وعلى مدى سنين طويلة في أمّهات نصوص الكتب الفارسية والعربية.
ومن آثار دهخدا أيضاً، كتاب شرح سيرة أبي ريحان البيروني، ألذي صادف تأليفه ألفية ميلاد هذا الرحالة، والفيلسوف، والفلكي، والصيدلي وعالم الفلك والرياضيات والجغرافيا ومترجم ثقافات الهند.
وله أيضاً، تعليقات على ديوان الشاعر الايراني الكبير ناصر خسرو قبادياني.