البث المباشر

"إقبال اللاهوري" ومهمة إحياء الأمة في وجه الاستعمار

الأحد 3 أغسطس 2025 - 18:46 بتوقيت طهران
"إقبال اللاهوري" ومهمة إحياء الأمة في وجه الاستعمار

اختار محمد إقبال اللاهوري اللغة الفارسية للتعبير عن أفكاره ورفع بها راية المواجهة مع الاستعمار، في وقت كانت فيه الأمة الإسلامية خاضعة لسطوة الثقافة الغربية.

يُعرف إقبال بلقب «الأكثر إيرانيةً» بين الأجانب، و«الأكثر تشيعًا» بين السُّنة، وهو مفكر وشاعر ومنظّر باكستاني بارز، وُلد عام 1877 في مدينة سيالكوت بإقليم البنجاب.

 

«الأكثر إيرانيةً» و«الأكثر تشيعًا» بين السُّنة

تابع إقبال دراسته في الفلسفة في جامعات لاهور، وكامبريدج، وميونيخ، ونال درجة الدكتوراه من الأخيرة. إلى جانب نشاطه الأكاديمي والأدبي، كان ناشطًا سياسيًا، وتولى في عام 1930 رئاسة حزب «الرابطة الإسلامية». وكان أول من طرح بشكل رسمي فكرة إنشاء دولة مستقلة للمسلمين في شبه القارة، وهي الفكرة التي أصبحت لاحقًا أساس قيام جمهورية باكستان الإسلامية.

 

شاعرٌ فارسي في ثوب أُردي

إقبال، رغم أن اللغة الأُردية كانت لغته الأم، ألّف ديوانًا شعريًا حافلًا بالشعر الفارسي. ويقال إنه الشاعر الوحيد من ناطقي الأُردية الذي خلّف نحو 9 آلاف بيتٍ بالفارسية. والمهم أيضًا هو الأسلوب الشعري الذي ابتكره إقبال في الفارسية والأُردية، في زمنٍ كانت فيه الفارسية آخذة في التراجع في شبه القارة تحت وطأة اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية، وكان نورها يخبو في وجه عواصف الزمن. ولهذا، يُعدّ إقبال بحق باعث اللغة الفارسية في شبه القارة.

اعتمد إقبال أسلوبًا جديدًا، مزج فيه بين الشعر والفكر الفلسفي. وعلى الرغم من غلبة البعد الفكري على العاطفي في شعره، إلا أن أعماله لا تخلو من الجمال الفني والبلاغي. ولم يكن إقبال الأول في استخدام الشعر كوسيلة لنقل الفكر؛ فقد سبقه شعراء فارسيون كناصر خسرو، الذي يُعد النموذج الكامل لهذا الأسلوب، وكذلك سنائي وآخرون، لكن تفرّد إقبال كان في نوعية الفكر الذي قدّمه، والذي أسهم في بعث الأمة الإسلامية من جديد في شبه القارة.

 

«شكوى» و«جواب الشكوى»: قطعتان خالدتان

يقول الشاعر والأكاديمي الباكستاني علي كميل قزلباش، إن أشهر قصائد إقبال بالأُردية هما: «شكوى» و«جواب الشكوى»، وهما قصيدتان طويلتان ذاع صيتهما في الأوساط الشعبية. «شكوى» كانت قصيدة يعبّر فيها إقبال عن شكواه إلى الله، وقد أثارت ضجة واسعة وصدرت فتاوى ضده، لكنّه رد على منتقديه لاحقًا بقصيدة «جواب الشكوى»، التي اعتُبرت من روائع الأدب الأُردي. وبحسب قزلباش، لو لم يكتب إقبال سوى هاتين القصيدتين، لكان ذلك كافيًا لتخليد اسمه.

 

«مجلس إبليس» وترامب

ومن بين قصائد إقبال اللافتة أيضًا، «مجلس إبليس»، حيث يصوّر في هذا العمل الأدبي مشهدًا شبيهًا بما يحدث اليوم على الساحة السياسية العالمية. وفي القصيدة، يجتمع إبليس بمستشاريه الذين يقدّمون له تقارير عن العالم، ليقول في النهاية: «إن ما نخافه هو الإسلام، فلربما يأتي يوم يُصبح فيه المسلم، مسلمًا حقيقيًا». ويقول قزلباش: «عند قراءة هذه القصيدة، نتذكر إبليس العصر الحديث: دونالد ترامب».

 

الشاعر والمفكر... والرسالة الحضارية

إقبال لم يكن مجرد شاعر يقدّم الفكر في ثوب جمالي، بل كان حاملًا لمشروع حضاري. وبجانب اهتمامه بإحياء اللغة الفارسية، كان من أبرز المؤثرين في بناء أسس نهضة إسلامية حديثة. وكان أشبه بشيخٍ بصير يرى المستقبل في طينة الحاضر، وقد ألهمت أفكاره أجيالًا من الثائرين على الاستعمار، وظلت أفكاره حاضرة بعد وفاته كمنارة لمن ساروا على دربه.

ولهذا، يُعدّ أحد أبرز أعلام حركة «العودة إلى الذات» في العالم الإسلامي. وكما قال عنه المفكر علي شريعتي: «إقبال شاعر. وقد تبدو هذه الصفة بسيطة لشخصية عظيمة مثله، ولكن قيمة أي فن تُقاس بقيمة الفنان».

 

لماذا اختار إقبال الفارسية؟

يتناول كتاب «الأفكار الخفية للإيرانيين» لمؤلفه محمد حسن مقيسه، أبعادًا متعددة لأفكار وأعمال إقبال لاهوري. ويقول مقيسه في حديث لوكالة تسنيم إن اختيار إقبال للغة الفارسية يُعد مصدر فخر للإيرانيين، ويعكس موقفه الإيجابي من الثقافة واللغة الفارسية.

ويضيف: "رغم أن إقبال كان يتحدث ويكتب بالإنجليزية، وكانت لغته الأم الأُردية والبنجابية، وكان أيضًا على دراية بالألمانية، ويُدرّس بالعربية في كامبريدج، إلا أنه اختار الفارسية للتعبير عن أفكاره، وهذا يدلّ على ما تمتلكه اللغة الفارسية من طاقات وإمكانات تعبيرية ومعرفية هائلة."

ويختصر إقبال الأمر شعريًا في قوله: "الفارسية من سمو فكري، وهي الأنسب لطبيعة فكري."

 

إرث إقبال

ترك إقبال وراءه أعمالًا خالدة، من أبرزها: «أسرار معرفة الذات (أسرار خودي)»، «رموز بيخودي (أسرار فناء الذات)»، «رسالة المشرق»، و«جاويد نامه». وقد تُوفي عام 1938 في لاهور، ودُفن حسب وصيته بجوار المسجد الملكي التاريخي في المدينة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة