بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ للهِ آناءَ اللَّيل والنّهار، وأفضل الصلوات على النبيّ المختار، وعلى آلهِ الهداه الأبرار. إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين الكرام السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته، وأهلاً بكم في عودةٍ الى الآية المباركة، قولُه تعالى: "سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ"(الصافّات:۱۳۰) حيث تعرّفنا على هذه القراءة الأصيلة من خلال ما توارد عن أشهر الصحابة، وأشهر القرّاء فيما بعد. والآن منهم الى أشهر المفسّرين من علماء أهل السنّة وعلماء الشيعة، فالطبريّ في تفسيره (جامع البيان) يذكر في البدء مختلف الأقوال والقراءات، ثمّ يقول: وقرأ عامّةُ قرّاء المدينة المنوّرة: "سلامٌ على آل ياسين" بقطع (آل) من (ياسين)، فكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى: سلامٌ على آل محمّد. والنّيسابوريّ في (غرائب القرآن) يذكر أقوالاً ثلاثةً في معنى الآية الشريفة أحدها: سلامٌ على آل محمّد صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم. والشيخُ الطبرسيّ في تفسيره (مجمع البيان) في ظلّ الآية الكريمة هكذا: "سلامٌ على آل ياسين" كتب يقول: قرأ ابنُ عامر ونافعٌ ورويس عن يعقوب: (آل ياسين)، وقال ابنُ عبّاس: آلُ ياسين: آل محمّد صلّى الله عليه وآله، وياسينُ من أسمائه. ثمّ جاء بالآراء الأخرى. والشوكانيُّ في تفسيره للآية في كتابه (فتح القدير) قال: قرأ نافعٌ وابنُ عامر، والأعرجُ وشيبة:"سلامٌ على آل ياسين" بإضافةِ (آل) بمعنى آل ياسين. وأورد الشوكانيُّ آراءَ أخرى، عرّج في آخرها على قول الكلبيّ: المراد بـ (آل ياسين) هم آلُ محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلَّم.
وفي المراجعة الثانية عشرة من كتابه (المراجعات) ذكر السيد عبد الحسين شرفُ الدين الموسويّ قدّس سرُّه هذه الآية: "سلامٌ على آل ياسين" بهذه القراءة، ثمّ نقل في حال استعراض بعض فضائل أهل البيت وخصائصهم، عن ابن عبّاس معناها بآل محمّد صلّى الله عليه وآله، الى أن قال: وقد اتّفقت جماعةٌ من أعلام القوم عليى ذكر هذا المعنى عند تفسيرهم هذه الآية كما في (إحقاق الحقّ) منهم: ابنُ المغازليّ الشافعيُّ في (مناقب علي)، والزرنديّ الحنبليّ في (نظم درر السمطين)، والحافظ ابنُ مردويه في (مفتاح النّجاة)، والفخر الرازي في تفسيره الكبير، وأبو حيان في (البحر المحيط)، والآلوسيُّ في (روح المعاني)، والعسقلانيُّ الشافعيّ في (لسان الميزان)، والسيوطيُّ الشافعيّ في (الدرّ المنثور)، والقرطبيّ في (الجامع لأحكام القرآن)، والقندوزيُّ الحنفيّ في (ينابيع المودّة)، وأبو بكر بن شهاب الدين في (رشفة الصادي)، ذاكراً سبعةَ عشر الماً من علماء السنّة مع تعيين كتبهم التي أوردوا فيها الآية المباركة:"سلامٌ على آل ياسين" هكذا، على تفسيرها: سلامٌ على آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، أي سلامُ الله تبارك شأنه وتعالى عزّه على محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين. وهذا ما أكّده الحسكانيُّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل) قائلاً في معنى الآية: أي سلامٌ على آل محمّد. وياسين: بالسرّيانية: يا إنسان، أي يا محمّد. وقبل ذلك روى الحافظُ الحسكانيُّ نفسه عن أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام أنّه قال في تفسيره الآية: "ياسين محمّد صلّى الله عليه وآله، ونحن آل ياسين". وللحافظ أبي نعيم الأصفهانيّ المتوفّى سنة٤۳۰ هجرية وهو من مشاهير علماء السنّة كتابٌ اسمُه: (النور المشتعل) من كتاب: (ما نزل من القرآن في عليٍّ عليه السلام)، أتي فيه بالآية الكريمة هكذا: "سلامٌ علي آل ياسين"، ثمّ أتى ببيانها من ابنِ عبّاس: سلامٌ على آل محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومن أشهر تفاسير العامّة أيها الإخوةُ الأحبّة (التفسير الكبير) للفخر الرازيّ، وقد نقل عن هذا المفسّر: نورُ الدين عليُّ بن أحمد السَّمهوديّ الشافعيّ في (جواهر العقدين)، وابنُ حجر المكيُّ الشافعيّ في (الصواعق المحرقة)، والجوينيُّ الشافعيّ في (فرائد السمطين)، والقندوزيُّ الحنفيّ في (ينابيع المودّة)، وغيرُهم، كلُّهم نقلوا عن الفخر الرازيّ قوله: جعل اللهُ أهلَ بيت النبيّ صلّى الله عليه وآله مساوين له في خمسة أشياء: أحدُها في السلام، قال: السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، وقال لأهل بيته:"سلامٌ على آل ياسين". والثانية في الصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وعلى الآل، كما في التشهّد. والثالثة في الطهارة، قال الله تعالى: (طه)، أي: يا طاهر، وقال لأهل بيته: "وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً" (الأحزاب:۳۳) والرابعة تحريم الصدقة، قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : "لا تحلُّ الصدقة لمحمّدٍ ولآل محمّد". والخامسة المحبة، قال تعالى: "فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ" (آل عمران:۳۱)، وقال في أهل بيته : "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى". وفي كلِّ ذلك أيها الإخوة الأعزّة لفاطمة الزهراء عليها السلام اشتراك مع أهل بيت النبيّ؛ إذ هي سلام الله عليها منهم، بل هي من أخصهم: هي بضعة المصطفى ومنها امتداد نسله لا من غيرها، وحليلة المرتضى ولم يكن لها كفوٌ إلاّ هو سلام الله عليه وعليها، وأمُّ الأئمّة الأوصياء وجدّتهم فانتسابهُم اليها، وافتخارُهم بها. وقد سلّم الله عليها؛ إذ هي من الآل كما أقر أصحاب الحقيقة، واعترف بذلك كثير أنّ آل محمّد هم: عليٌّ وفاطمة، والحسن والحسين، وكان ممّن صرّح بذلك: ابنُ طلحة الشافعيّ في (مطالب السّؤول)، والخوارزميُّ الحنفيّ في (المناقب)، والمحبُّ الطبريُّ الشافعيّ في (ذخائرالعقبي)، وابنُ حجر المكّي في ( الصواعق المحرقة)، وغيرُهم. فسلامٌ علي الصدّيقة الزهراء فاطمة في كلِّ حين. وصلواتُ عليها وعلي أبيها، وعلي زوجها وبنيها، تتري من الله ربّ العالمين.