البث المباشر

فاطمة عليها السلام في سورة الكوثر ـ ۱

الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 - 13:22 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 62

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ للهِ المتحنّنِ علينا بالرّعاية والعناية، وأزكى صلواته على النبيّ وآلهِ سبُل الرّضوان والهداية.
إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين الكرام...السّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته ، وأهلاً بكم في حديثٍ حول آخرِ آيةٍ نريد أن نعرضها في شأنٍ من شؤون الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها...وهي قوله عزّ من قائل في محكم كتابه المجيد: "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ"، إذ سنحوم حولها -أيها الإخوة الأفاضل- على أفقين: الأوّل- على المعنى اللّغوي لكلمة (الكوثر)، وعلى المقصود القرآنيّ من الكوثر، ذلك الذي منّ الله تعالى به على حبيبه المصطفى محمّدٍ صلّى الله عليه وآله بعد أن قال فيه أحد رؤوس الكفر انّه أبتر، فأصبح ذلك المتشمّتُ الحاقد أبتر! حيث صدعت النبوءة القرآنية بقوله جلّ وعلا لرسوله: "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ"قال أبوبكر بن عياش في ظلّ كلمة (الكوثر): قيل: هو كثرةُ النَّسلِ والذرية، وقد ظهرت الكثرة في نسل النبي صلّى الله عليه وآله من ولد فاطمة عليها السلام ، حتّى لا يحصى عددهُم ، واتّصل إلى يوم القيامة مددُهم.
ذلك ما نقله الطبرسيّ- أيها الإخوةُ الأكارم- في تفسيره (مجمع البيان)، فيما كتب العالم اللُّغويُّ ابن منظورفي كتابه (لسان العرب) في معاني الكوثر أنّه: النّماءُ والزيادة...ونقل عن الزجاج قوله: الكوثر هو المبارك، أوما يأتي من قبله الخير الكثير.
وفي (مجمع البحرين)كتب الشيخ فخرُالدين الطريحيّ في ظلّ آية الكوثر:
اختلف الناسُ في معنى الكوثر، فقيل: هو نهر في الجنّةِ أشدُّ بياضاً من الَّلبن، وأشدُّ استقامةً من القدح...وقيل: كثرة النَّسل والذرية، وقد ظهر ذلك في نسل رسول الله صلّى الله عليه وآله.
أجل-أيها الإخوة الأحبّة- وكلُّ ما قيل محتملاً من معاني الكوثر صحيحٌ لا تعارض فيه، فقد أعطى اللهُ تعالى لأحبّ خلقه كلَّ خيرٍ وبركة ، أعطاه كلَّ كرامات الدنيا وكرامات الآخرة، فعطاؤه تبارك شأنه غير مجذوذٍ ولا مقطوع وهو جلّ وعلا أكرمُ الأكرمين، ورسوله أعزُّ الخلق عليه أجمعين، وقد خاطبه وهو أصدقُ الصادقين، فقال له وقوله حقّ: "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ"، أي الخير الكثير، فما ظنُّنا بعطاء الله الذي لا حدود له يقدّم إلى أشرف انبياء الله ورسله، فلتجُل الخواطر حيث شاءت فلا تبلغ شيئاً من تصوّر ذلك، فإذا كان ذلك الكوثر في الدنيا فليكن نسلُه المبارك وقد استمرّ من ابنته فاطمة صلوات الله عليها، فكان منها أئمّة الحقّ والهدى، وذرية النور والإيمان والولاية، وكانت الزهراءُ بذلك الكوثر ومنها الكوثر.
وإذا كان الكوثرُ لرسول الله في الآخرة، فهي قائمةٌ على ولايته ومحبّته، وولاية آله ومحبّتهم، ومن آلهِ وأخصّهم بضعتُه الصدّيقة فاطمة، صلوات الله عليها وعلى أبيها، وعلى زوجها وعلى بنيها.
-فاصل-
وإذ فتحنا (تفسيرالميزان) للسيد الطباطبائيّ-أيها الإخوة الأحبّة- قرأنا في ظلّ آية الكوثر أنّها امتنانٌ من الله تعالى على النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأنّ الكوثر-كما قال العلماء- على وزن (فوعل) وهو من أوزان الكثرة، ويعني بذلك الخير الكثير. ثمّ ذكر هذا المفسّر الفاضل رحمه الله أنّ هنالك آراءً كثيرة في معاني الكوثر، تعدّدت واختلفت ولكنّنا لا نرى فيها تعارضاً إذا نسبت إعطاءً من الله، وتقديماً لأحبّ حبيبٍ لله. أجل...فقد قيل في الكوثر انّه: حوضُ النبيّ في الجنّة، وقيل: أولاده، وقيل: القرآنُ وفضائلُه الكثيرة، وقيل: الإسلام والعلم والحكمة، كما قيل: هو المقام المحمود، وغيرذلك، وكلُّ ذلك -إخوتنا الأعزّة– كان اللهُ تعالى أهلاً لإعطائه، كما كان المصطفى صلّى الله عليه وآله أهلاً لنواله.
أمّا إذا أردنا أن نذهب إلى عصر الرسالة، وعهد نزول القرآن الكريم وعهد التابعين، فإننا سنسمع ابن عبّآس الصحابيّ المعروف، وكذا سعيد ابن جبير ومجاهد، أنّهم فسّروا الكوثر بالخير الكثير، وهو الكثرة في الأولاد والأعقاب، وكثرةُ نسل النبيّ وذريته من فاطمة عليها السلام هكذا ذكرت مجموعةٌ من التفاسير، حتّى كتب الحافظُ السيوطيُ الشافعيّ في ظلّ الآية المباركة قائلاً: أخرج البخاريّ ، وابن جرير الطبريّ ، والحاكمُ النّيسابوريُ الشافعيّ، من طريق أبي البشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس أنّه قال: الكوثر، الخيرُ الذي أعطاه اللهُ إياه (أي أعطاه لرسول الله صلّى الله عليه وآله)، قال أبو البشر: قلتُ لسعيد بن جبير: فإنّ أناساً يزعمون أنّ الكوثر نهرٌ في الجنّة، فأجابه سعيد: النهرُ الذي في الجنّة من الخير الذي أعطاه اللهُ إياه. (أي بعضُ الذي أعطاه الله لرسوله من الكوثر).
وعدّد النسابوريّ في تفسيره (غرائب القرآن) بعض الأقوال في معنى الكوثر، كان أحدها قول العلماء أنّ الكوثر أولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله، والدليل على ذلك أنّ هذه السورةَ نزلت على من زعم أنّ النبيّ أبتر، فيكون المعنى أنّ الله يعطيه بفاطمة نسلاً يبقون على مرّ الزمان. 
ثمّ قال: فانظر كم قُتل من أهل البيت، ثمّ العالمُ مملوءٌ منهم، ولم يبق من بني أمية أحدٌ يعبأ به، والعلماءُ الأكابر لاحدَّ ولاحصر لهم، منهم الباقر والصادق والكاظم، والرضا والتقيّ، والنقيُ والزكيّ.
أجل-أيها الإخوة الأكارم- هؤلاء هم نسلُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، علماء أتقياء ، أولياء امناء ، حكماء حلماء ، بلغاء فضلاء...وفي ذراريهم من طبّق الدنيا بمواقفه الشجاعة والكريمة، وهم جميعاً منتسبون إلى جدّهم رسول الله، ورسول الله لا ذرية له إلاّ من ابنته فاطمة، وفاطمة كان لها الحسنُ والحسين، وكان لهما من النسل المبارك ما لم يكن لغيرهما، وذلك لأنّ الله تعالى أعطى حبيبه المصطفى كوثراً، وما أدرانا ما ذلك الكوثر! يكفينا أنّه فاطمة، ومن فاطمة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة