بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصّلاة واشرفها على المصطفى الهادي الأمين، وعلى آله الأئمّة المعصومين. إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين السلام عليكم، وحياكم الله وبيّاكم، وأهلاً بكم في حديث آخر حول الآيات النازلة في الصدّيقة الزهراء فاطمة عليها السلام، ونستطيع أن نقول: إنّها على قسمين: الأوّل، الآيات الشاملة لأهل البيت عليهم السلام، وهي منهم سلام الله عليها، وقد يأتي ذكرها في ضمن تفسير تلك الآيات ضرورةً فهي من أخصّهم، إذ هي بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي زوجة وليّ الله أمير المؤمنين عليه السلام، وهي أمّ الحسن والحسين والأئمة الميامين من ذرية الحسين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فهي صلوات الله عليها أصل في أصل، من أصل إلى أصول. ولذا حين أريد بيان قوله تبارك وتعالى: "وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ" وهي الآية الثانية والستّون من سورة الأنفال، قيل: روى ابن حجر أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ الشافعي في (لسان الميزان ج٤، ص ۱۹٤/ الحديث ٥۱٥ ) بإسناده عن ابن عبّاس مرفوعاً إلى النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: "لمّا عرج بي رأيت على باب الجنّة مكتوباً: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ حبيب الله، الحسن والحسين صفوة الله، فاطمة أمة الله، على باغضهم لعنة الله" . هذا إلى جانب ما روى غير ابن حجر، كالمتّقي الهندي في (كنز العمّال) أنّ رسول الله قال:"رأيت ليلة أسري بي مثبتاً على ساق العرش: إنّي أنا الله لا إله غيري، خلقت جنّة عدن بيدي، محمّد صفوتي من خلقي، أيدته بعليّ، نصرته بعليّ " . ولا تعارض بين الروايتين أبداً، ومثل هذه الروايات تكون بياناً لمعنى الآية الشريفة "هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ" و من يكون أبين مصداقاً للمؤمنين الذين أيد الله بهم رسوله من علي سيد الوصيين، وفاطمة سيدة نساء العالمين؟!
*******
وشاهد آخر أيها الإخوة الأكارم على اضطرار تبيين الآيات بالروايات، أنّ بعض المفسّرين حين وقفوا أمام قوله تعالى: "وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ" (الآية الرابعة والخمسون من سورة الأعراف)، وأرادوا التأويل العميق للآية، جاؤوا إلى الحافظ الحسكانيّ الحنفي، فأخذوا من كتابه التفسيريّ (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل) هذه الرواية المثبّتة في ظلّ الآية المباركة، باسنادها المنتهي إلى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا فقدتم الشمس فأتوا القمر، وإذا فقدتم القمر فأتوا الزّهرة، وإذا فقدتم الزّهرة فأتوا الفرقدين"، قيل: يارسول الله، ما الشمس؟ "قال: أنا، قيل: ما القمر؟ قال: عليّ، قيل: ما الزّهرة؟ قال: فاطمة، قيل: ما الفرقدان؟ قال: الحسن والحسين" . وفي ذكر المصطلح القرآني والمصطلح الحديثي أيضاً لـ (أهل البيت) لا شك أنّ فاطمة سلام ربّنا عليها هي أحدهم، بل هي خاصّتهم، فمثلاً حينما أراد العالم الحنفيّ الشيخ سليمان القندوزيّ توضيح المعنى الأعمق لقوله تبارك وتعالى: "وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (الآية السابعة والخمسون من سورة البقرة)، وكذا المئة والستّون من سورة الأعراف، كتب في ظلّها في مؤلّفه (ينابيع المودّة لذوي القربي) بسنده إلى أبي جعفر الباقر عليه السلام في بيان له للآية أنّه قال: "فالله جلّ شأنه، وعظم سلطانه، ودام كبرياؤه، أعزّ وأرفع وأقدس من أن يعرض له ظلم، ولكن أدخل ذاته الأقدس فينا أهل البيت، فجعل ظلمنا ظلمه، أي جعل ظلم الناس لنا ظلمهم له" . فقال: "وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".
*******
ومثال آخر إخوتنا الأعزّة الأفاضل روى القندوزيّ الحنفيّ أيضاً في ظلّ قوله تبارك شأنه: "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ{۸۹} وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{۹۰}" (وهما الآيتان: ۸۹ و۹۰ من سورة النمل) ، عن عبدالرحمان بن كثير عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام قوله: "الحسنة معرفة الولاية وحبّنا أهل البيت، والسيئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت" . فإذا نظرنا الى الآية المباركة والحديث الشريف، معاً، وقرأنا أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال كما روى الصدوق في (فضائل الشيعة): "حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن، أهوالهنّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط" . وقرأنا أيضاً مارواه الجوينيّ الشافعي في (فرائد السمطين) أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لسلمان: "يا سلمان، حبّ فاطمة ينفع في مئة من المواطن، أيسر تلك المواطن: الموت والقبر، والميزان والمحشر، والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه غضبت عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه. يا سلمان، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً، وويل لمن يظلم ذرّيتها وشيعتها!" .
*******
بعد هذا إخوتنا الأحبّة نفهم بوضوح معنى قوله تعالى: "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ{۸۹} وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{۹۰}؟!".
*******