بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي حبانا بنعمة القرآن، وأفضل الصّلاةِ وأزكى السّلامِ على المصطفى وآله أمناءِ الرحمان.
أيها الإخوةُ الأعزّة.. السّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وأهلاً بكم في الرياض الفاطمية العبقة، حيث نسائمُ القرآنِ الكريم تنبيء أنّ الصدّيقة الكبرى فاطمة عليها السلام قد حباها اللهُ تبارك وتعالى من الفضائل ما حبى أباها المصطفى وبعلَها المرتضى وأهل بيتها صلوات الله عليهم جميعاً، فكان من ذلك أن جَعَلها وإياّهم موضعَ توسّل الأنبياء عليهم السلام إلى الله تعالى في حوائجهم وشدائدهم. وكان من ذلك توبةُ أبينا صفوة الله آدمَ عليه السلام، حيث قال تعالى فيه: " َفتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ"(البقرة:الاية السابعة والثلاثون)، وإذا كان المفسّرون قد اختلفوا في معنى الكلمات التي توجه بها آدمُ إلى الله جلّ وعلا، فقد اتّفق معظمُهم وجُلُّهم على أنّها الأسماءُ الطاهرة التي توسّل عليه السلام بها وهي الأحبُّ عند الله عزّوجلّ، فبها تاب إلى ربّه، وبها تابُ ربُّه عليه.
وفي توثيق ذلك عشرات الروايات نقلتها عشراتُ المؤلّفات، حتّى أحصى بعضُ المحقّقين أكثرَمن خمسين مصدراً في هذه الرواية الشهيرة منقولةً عن ابن عبّاس أنّه قال: سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله عن الكلمات التي تلقّى آدمُ من ربّهِ فتاب عليه، فقال: "سألَه بحقّ: محمّدٍ وعليّ، وفاطمة والحسن والحسين، إلاّ تُبتَ عليّ. فتاب عليه".
أوردَ ذلك الشيخُ الصدوق في كتبه: معاني الأخبار، والخصال، وكمال الدين، والأمالي والطبرسيّ في مجمع البيان، والعياشيُّ في تفسيره، والمجلسيُّ في بحارالأنوار، والكلينيُّ في الكافي، وفراتُ الكوفيُّ في تفسيره، وابنُ المغازليِّ الشافعيُّ في مناقب الإمام عليّ، والسيوطيُّ الشافعيّ في تفسيره الدرّ المنثور، ... وعشرات المصادر الأخرى للمسلمين على اختلاف مشاربهم ... منها أيضاً: مفتاح النّجا في مناقب آل العبا للبدخشي، وذيلُ اللآئي للحافظ السيوطيّ، وينابيع المودة للقندوزيِّ الحنفيّ، ودلائل النبوّة للبيهقيّ... وغيرها لغيرهم.
*******
إخوتنا الأفاضل... قد ترد عند البعض تساؤلات، وعند البعض الآخر إشكالات، وعند بعضٍ تشكيكات.. كيف يصُحّ أن يتوسّل آدمُ أبوالبشر وأبوالأنبياء بمن بعده؟ وهل ذلك مقبولٌ في عقيدتنا؟ بل هل يجوزالتوسّل؟
وقد يعجب البعض ويتوقّف، وإن كان منشأُ ذلك الجهلَ بما في كتب التفسير والحديث، ولكنّ العجبَ يزول وشيكاً، لأمرين: الأوّل- تواردُ مثلِ خبر ابن عبّاس في كتب المسلمين بوفرة، وتسالم الرواةِ والمحدّثين عليه نصّاً ومعني. والثاني- توافرُ الروايات القائلةِ بتوسّل الأنبياء من آدم إلى عيسى (عليهم السلام) بالمصطفى محمّدٍ وآله صلوات الله عليه وعليهم، وذلك في شدائدهم، إئتماراً بأمر الله تبارك وتعالى إذ شاء ذلك ودعاهم إليه، والأنبياءُ أعرفُ الخَلق بحكمِ الله ومصالح مشيئته، فلا خيارَ أمامَ قضاءِ الحقّ سبحانه، ولا اعتراضَ على ما قد يستغربه الفكر وتتردّد فيه النَّفس، والأنبياء عليهم السلام هم أشدّ الناس إيماناً بالله، وطاعةً له وتسليماً لأوامره.
ومن هنا دعُوُا اللهَ تبارك وتعالى بحقَّ محمّدٍ وآلِ محمّدٍ لنجاتهم، كما كان من نوحٍ عليه السلام لمّا أشرف على الغَرَق، ومن إبراهيم عليه السلام لمّا رُميَ في النار، ومن موسى عليه السلام لمّا ضرب طريقاً في البحر، ومن عيسى عليه السلام يومَ أراد اليهودُ قتلَه فرفعَه اللهُ إليه.. وتلك سنّة اللهُ في أنبيائه ورسله، "فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً" (فاطر:الاية الثالثة والاربعون) كذا كان من شأن الأنبياء والرسل أن فضّل اللهُ بعضَهم على بعض، وذلك صريحُ قوله تعالي: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ" وكان من شرف النبيّ الأكرم، محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم)، أن جَعَل اللهُ الصلاةَ عليه وعلى آله، والتوسّلَ به وبآله، سبباً في نجاة الأنبياء والمرسلين، كما ذكرتِ التفاسير من مذاهب المسلمين، وأيدتها الرواياتُ والأخبارُ الموثّقةُ لديهم، وتكفينا الإشارةُ إلى ما اكتشفَته فرقةُ علماء الآثار الروس بوادي قاف من عثورها على قطعةِ خشبٍ كانت قد انفصلت من سفينة نوحٍ عليه السلام، وكان نُقش عليها أسطرٌ باللغة السامية، تُرجمت فإذا هي: يا ربّي ويا معيني، أعنّي برحمتك وكرمك، ولأجلِ هذه الأسماء المقدّسة: (محمّد، إيليا (أي عليّ)، شبّر(أي حسن)، شُبير(أي حسين)، فاطمة. هؤلاءِ الذين هُم الشرفاءُ والعظماء، والعالمُ قائمٌ ببركتهم). ذكرَت ذلك المجلّةُ الروسيةُ الواسعةُ الانتشار(إتفاد نيزوب) في عددها الصادر في تشرين الثاني عام ۱۹٥۳ م.
*******
أمّآ الحصيلةُ المتوخّاةُ من ذلك كلّة أيها الإخوةُ الأحبّة - فهي أنّ محمّداً وأهل بيته صلواتُ اللهِ عليه وعليهم هم أفضلُ الخَلق، وهم متساوونَ في التوسّلِ بهم إلى الله تبارك وتعالي، وبالتوسُّلِ بهم نجا الأنبياءُ وفازوا ونالوا حاجاتهم، ورفع اللهُ عنهم نوائبهم وشدائدهم، والعقلُ صادعٌ بأنّ المتوسّلَ بهم أقرب إلى الله تعالى من المتوسّلين بهم.
والسلام عليكم إخوتنا الأكام ورحمة الله وبركاتُه.
*******