لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الخاص قراءة بعد زيارة الجامعة للائمة عليهم السلام اي (الجامعة الكبيرة) وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها، ونواصل حديثنا عن ذلك، حيث انتهينا في لقائنا السابق الى عبارة تتوسل بالله تعالى ان يرزقنا رزقاً واسعاً الى ان يقول (ونعمة سابغة عامة) هنا يجدر بنا ان نقف عند هذه العبارة لملاحظة نكاتها، فماذا نستلهم منها؟
عندما يطلب الدعاء او يتوسل بالله تعالى ان يرزق قارئ الدعاء رزقاً واسعاً حينئذ لا نتوقع بان تكون النعمة السابغة العامة هي بدورها مجسدة او احد مصاديق المال، او العكس، ان المال هو احج مصاديق النعمة؟
اننا نطرح السؤال المتقدم لان قارئ الدعاء عليه ان يفهم خطابه وما ينطق به من الكلام امام الله تعالى وهو من ابسط آداب الدعاء بطبيعة الحال.
اذن علينا ان نتبين ماذا تعني العبارة المتوسلة بالله تعالى ان يرزقنا نعمة سابغة عامة.
النعمة هي مطلق ما ينعم به الانسان من الامتاع او اللذة، فالنعمة هي من النعومة اساساً والنعومة هي ضد الخشونة، كما هو واضح، هنا نطرح السؤال مجدداً نقول لقد توسل الدعاء بالله تعالى ان يرزقنا مالاً واسعاً، والمال هو احد مصاديق النعمة، فلماذا ذكرهما جمعياً على ان النعمة كما قلنا اعم من المال؟
الجواب هو: بما ان المال هو الوسيلة لتأمين حاجات الانسان حينئذ فلابد ان تكون له استقلاليته واهيته، واما النعمة بما انها مفهوم عام تظل بدورها متسمة بالاهمية مما يفسر لنا فلسفة فصلها عن المال، بيد ان السؤال الجديد هو ماذا نستخلص من الاوصاف التي خلعها الدعاء على النعمة حيث توسل بالله تعالى ان يجعلها سابغة وان يجعلها عامة. هذا ما يتطلب مزيداً من التوضيح.
الاسباغ في النعمة هو اتمامها وسعتها وطولها وهذا يعني ان الدعاء يتوسل بالله تعالى بان يجعل النعمة بالاضافة الى سعتها تامة لا نقصان فيها فمن الممكن مثلاً ان تكون النعمة واسعة ولكنها غير تامة اي كما ان المال قد يكون واسعاً ولكنه لا يفي بحاجات الشخصية ذات الشأن او المهمات والادوار الاجتماعية التي يضطلع بها، كذلك فان النعمة قد تكون واسعة ولكنها غير تامة اي لا تتناسب مع ما يطمح اليه الانسان من اشباع لحاجاته المتنوعة.
بقي ان نحدثك عن الصفة الاخرى لمفهوم النعمة الا وهي كونها عامة والسؤال جديداً هو ما المقصود من عمومية النعمة؟ ان قارئ الدعاء قد يقول مثلاً ان النعمة التامة تسد الحاجات جميعاً فلماذا تضاف اليها ان تكون عامة اي ما معنى العمومية هنا والفارق بينها وبين تمامية النعمة؟
الجواب هو: ان حاجات الانسان المتنوعة لا تقف عند حد ما فمثلاً نعمة الامن او الصحة او التوازن المتمثل في خلق الشخصية من مشكلات فردية او عائلية او اجتماعية الخ، كل نعمة من الاشكال المتقدمة تحقق للشخصية طموحها، ولكن مع فريضة فقد ان الامن مثلاً حينئذ لا تكون النعمة عامة لانها تفتقر الى الامن وبذلك تكتسب صفة العمومية اذا كان الامن بدوره متحققاً وهكذا سائر نعم الله تعالى.
ان الله تعالى يعنى كل العناية بالشخصية المؤمنة بحيث يحقق لها مختلف طموحاتها ليس في نطاق محدود بل من السعة والسبوغ والتمامية والعمومية ما يجعل نعمه تعالى لا تحصى تمشياً مع قوله تعالى «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا».
اذن امكننا ان نتبين جانباً من من النكات الكامنة وراء العبارة المتوسلة بالله تعالى بان يجعل نعمه سابغة وعامة بالنحو الذي لاحظناه. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى طاعته والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******