نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا حفيظ، يا محيط، يا مقيت،...)، والآن نتحدث عن الاول منها وهو: احد اًسمائه تعالي الحفيظ. فمذا نستلهم؟
بشير المعينون بهذا الشأن الي ان صفة (الحفيظ) تنسحب علي جملة ظواهر، منها: انه تعالي حافظ السماوات والارض وما بينهما، ومنها: انه تعالي حافظ للانسان من المكاره، ومنها: انه تعالي يزن الاشياء وبمقاديرها، اي: من حيث الحفظ او المقدار الذي يحقق حفظها من اي خلل مثلاً، وهذا فيما يرتبط بكلمة (الحفيظ). ولكن ماذا بالنسبة الي صفة (المحيط)؟
يقول احد النصوص المعني بشرح الأسماء الحسني ان (المحيط) يعني: انه تعالي (هو المستولي والمتمكن من الأشياء، الواسع لها علماً وقدرةً، فهو محيط اي مسئول علي جميع الأشياء علماً فلا يغرب عنه مثقال ذرةٍ في السماوات ولا في الارض، ...).
يبقي ان نحدثك عن الصفة الثالثة وهي: (المقيت) ونتساءل من جديد: ما المقصود منها؟
الشروح تشير الي ان (المقيت) يعني الذي يعطي القوت، وايضاً بمعني: الحافظ الرقيب.
ان قارئ الدعاء من الممكن ان يقرأ هذه العبارات دون ان يربط بين الوشائج التي تحكمها، مع ان ملاحظة هذه الوشائج من الأهمية بمكان: مادام قارئ الدعاء معنياً بان يعني ما يقرأ.
ان اسماء الله الحسني يحمل كل واحد منها دلالة او دلالات يتداعي الذهن خلالها الي توليد دلالات جديدة فمثلاً: الصفة الثالثة القائلة بان (المقيت) هو: من يعظي القوت، هذه الصفة ليست من الدلالات العابرة بقدرما نتطلب تأملاً دقيقاً وتداعياً الي مصاديق متنوعة من رحمته تعالي: ان القوت هو المادة التي تقوم عليها حياة الانسان، فاذا فقدها فقد حياته.
اذن ما اشدّ رحمته تعالي عندما نستخصر في اذهاننا انه تعالي هو صاحب القوت بل صاحب استمرارية حياتنا.
وعن الحقائق التي يتعين استخصارها في الذهن ان القوت اذا اضطرب او تعسر تحققه فان البناء النفسي للشخصية ينهار وتتحول الشخصية الي شخصية عصابية مريضة متوترة متمزقة منشطرة داخلياً.
اذن للمرة الجديدة، ان صفة (المقيت) هي: تجسيد لرحمته تعالي في أحد مصاديقها: كاوضحنا.
والآن ماذا بالنسبة الي صفتي (الحفيظ) و (المحيط)، ايضاً: ان صفة (الحفيظ) في احد مصاديقها المرتبطة بحفظ الانسان، تظل بدورها تجسيداً لاحد مصاديق الرحمة، انه تعالي حفظ الانسان من المكروه دون ان يشعر احدنا بذلك، ان الشخص معرّض للكارثة في اية لحظة من حياته، ولكن الله تعالي هو الحفيظ لهذا الشخص، والّا فيسحترق ويتوتر ويصبح عصابياً في حالة ما اذا بقي اسير الكارثة والمكروه.
والامر نفسه بالنسبة الي مظهر (المحيط)، قد يخيّل القارئ الدعاء ان (المحيط) هو خاص بعلم الله تعالي دون انعكاساته علي الانسان، ولكن هذا التصور مخطئ دون اي ريب، ان الله تعالي مسئول علي الوجود وعلي ما فيه من مصادر الاشباع لحاجاتنا، انه تعالي هو المهيئ لها، والموزّع لها، والمقدّر لها، فتكون النتيجة هي ان هذه الصفة بدورها احد مصاديق الرحمة من الله تعالي.
*******