البث المباشر

شرح فقرة: "وممن لا حاجة به إلي التقية من خلقك،..."

السبت 3 أغسطس 2019 - 11:06 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " وممن لا حاجة به إلي التقية من خلقك " من أدعية الإمام المهدي عليه السلام.

 

بِسْمِ اللَّهِ الذي بحمده تتم الصالحات وتربو الحسنات، وأطيب الصلوات والتحيات والبركات علي صفوته من الكائنات أبي القاسم محمد وآله الهداة. 
السلام عليكم أعزائنا المستمعين ورحمة الله وبركاته. تحية طيبة مباركة ندعوكم بها لمرافقتنا في لقاء اليوم من برنامجكم هذا، ووقفة تأملية جديدة في أدعية أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) ومنها الدعاء الجليل الذي أمرنا مولانا خاتم الأوصياء المحمديين بقية الله المهدي بتلاوته في عصر غيبته (عجل الله فرجه) خاصة بعد صلاة العصر في أيام الجمعة.
في هذه الحلقة نختم الحديث أعزائنا عن المقطع التالي من هذا الدعاء الشريف والذين نطلب فيه من الله عزوجل صدق النصرة والتسليم والطاعة لوليه المهدي قائلين: (واجعلنا يا رب من أعوانه ومقوية سلطانه، والمؤتمرين لأمره والراضين بفعله، والمسلمين لأحكامه، وممن لا حاجة به إلي التقية من خلقك، ... يا أرحم الراحمين).
مستمعينا الأفاضل، حديثنا في هذا اللقاء هو عن العبارة الأخيرة من المقطع المتقدم أي التي نطلب فيها من الله جل جلاله أن يجعلنا ممن لا حاجة به إلي التقية من خلقه، فما هو معني هذا الطلب؟ 
للإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نعرف أولاً معني (التقية)، فهي أسلوب عقلائي أقره القرآن الكريم يقضي بإظهار ما لا يعتقده الإنسان لكي يدفع به ضرراً جسيماً أو يحفظ به أمراً مهماً. فمن المصاديق القرآنية التي أشارت لذلك قوله تعالي في الآية ۲۸ من سورة آل عمران: «لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً». 
ومن هذه المصاديق ما ذكرته الآية ۱۰٦ من سورة النحل التي نزلت بشأن الصحابي الجليل عمار بن ياسر عندما تراجع ظاهرياً عن الإسلام وأظهر كلمة الكفر تحت تعذيب طواغيت قريش وبعد استشهاد والديه (رضوان الله عليهما) فأنزل الله بشأنه قوله تبارك وتعالي: «مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ».
لا تختص التقية باتقاء أذي الكفار بل تشمل التقية من الظلمة من مختلف الفئات وقد أخرج البخاري وغيره كثيراً من الروايات بشأن عمل الصحابة والتابعين بالتقية في زمن حكام بني أمية وغيرهم، كما رويت في التأكيد عليها كثير من الأحاديث الشريفة عن أئمة العترة المحمدية (عليهم السلام) نظير قول الإمام علي (عليه السلام): (التقية من أفضل أعمال المؤمن يصوون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين)، وقول الإمام الصادق (عليه السلام): (اتقوا علي دينكم فأحجبوه بالتقية)، وكذلك قوله (عليه السلام): (التقية ترس المؤمن، التقية حرز المؤمن).
ومن مصاديق التقية ما ذكره فقهاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تحت عنوان (التقية مداراة) والهدف منها دفع الخطر المتوقع علي حوزة الإسلام نتيجة لشتات كلمة المسلمين وتفرقهم؛ وذلك بعد إظهار المسائل الخلافية والتأكيد علي المشتركات والتقية هي - مستمعينا الأفاضل - نقيض النفاق الذي ذمه القرآن الكريم كثيراً فالنفاق هو استبطان الكفر وإظهار الإيمان لخداع المؤمنين في حين أن التقية هي إستبطان الإيمان وعدم إظهاره إما دفعاً لخطر الظالمين أو حفظاً للوحدة في الكيان الإسلامي.
مستمعينا الأفاضل، بعد هذه التوضيحات نعود إلي فقرة الدعاء الشريف التط يطلب فيها المؤمن من الله جل جلاله أن يجعله ممن لا حاجة به إلي التقية من خلقه فما هو المراد منها؟ 
علي ضوء ما تقدم يتضح أن ما يطلبه الداعي من الله جل جلاله في هذه العبارة هو أن يبعد عنه كيد الظالمين وخطرهم لكي يحتاج إلي أن يكتم إيمانه وعقيدته وولائه ونصرته لمولاه الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف). إضافة إلي دفع أخطار الظالمين والمخالفين تتضمن هذه العبارة طلب المؤمن من الله عزوجل أن يلهمه السبل التي تعنيه علي نصرة الإمام المهدي والدعوة له (عجل الله فرجه) بالصورة التي لا تؤدي إلي إثارة الجاهلين أو إيقاع سوء الفهم وبالتالي إجتناب كل ما يؤدي إلي الفرقة والشحناء فيضطر إلي العمل بالتقية المداراتية.
وثالثاً فإن هذا الطلب يتضمن - أيها الإخوة والأخوات - دعاء المؤمن لربه القدير أن يوفر له جميع العوامل المساعدة لنصرة خليفته المهدي (عجل الله فرجه) مثلما يبعد عنه العقبات التي تصده عن ذلك كالخوف من مكائد الظالمين أو أشكال سوء الفهم التي يضطر المؤمن للتحصن منها بحصن التقية.
أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، ختاماً نشكر لكم جميل الإصغاء وطيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) تقبلوا منا خالص التحيات والدعوات ودمتم بألف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة