وله الحمد تبارك وتعالى رب العالمين، وأطيب صلواته وتحياته وبركاته على أبواب رحمته ومعادن حكمته وأنوار هدايته صفوته البشير النذير والسراج المنير محمد وآله أهل آية التطهير.
سلامٌ من الله عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته، أزكى تحية مباركة طيبة نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج، نتدبر فيها معاً في الفقرة الختامية من الدعاء المروي في كتاب مهج الدعوات عن إمام زماننا خاتم الأوصياء المهدي (عجل الله فرجه) كأحد أدعية قنوت الصلوات، وهي الفقرة الأخيرة منه وفيها يقول الداعي: (اللهم ... وبادر بأسك الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وابسط سيف نقمتك على أعدائك المعاندين، وخذ بالثأر انك جوادٌ مكار يا أجود الأجودين).
مستمعينا الأطائب، هذه الفقرة من الدعاء تأتي بعد فقرة تعلمنا أن نطلب من الله تبارك وتعالى في أحد أفضل مواطن إستجابة الدعاء وهو قنوت الصلاة، أن يأذن لخليفته وأمل عباده ورجاء المظلومين المهدي المنتظر بالظهور وأن يمهد لذلك بأزالة العقبات التي تهدد ظهوره بأضعاف الحكومات الطاغوتية مثلاً، وبتوفير العوامل المعينة ونجاح أهدافه مثل تعريف العالمين بشرائعه والأحكام التي يطبقها بظهوره (عجل الله فرجه).
وفي هذه الفقرة وهي الختامية من هذا القنوت نطلب منه جلت قدرته (أن يبادر ببأسه الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، فما الذي نستفيده من هذا الطلب؟ معنى المبادرة قريبٌ مما يصطلح عليه في المصطلحات العسكرية المعاصرة بالضربة الوقائية، أي مباغته العدو قبل أن يقوم بعدوانه المرتقب.
وعلى أساس هذا التوضيح نفهم أن نطلب من الله عزوجل أن يعين خليفته المهدي المنتظر وجنوده وأنصاره على مباغتة العدو - أي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ- فينزلون به البأس الإلهي القاصم قبل أن يشن عدوانه المرتقب لإحباط الثورة المهدوية الأصلاحية الكبرى عند إنطلاقها.
وإستجابة الله عزوجل لهذا الدعاء تتحقق في مصاديق عدة مثل جعله - جلت قدرته- الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يغفلون عن هذه الثورة الإلهية، ومثل أن يعين المؤمنين على عدم إثارة الهواجس، وإشغالهم بأزمات تبعدهم عن ملاحقة جبهة الإيمان، وأن يكون الظهور المبارك من حيث لا يحتسبون ونظائر ذلك.
أعزاءنا المستمعين في العبارة اللاحقة ندعو ربنا تبارك وتعالى قائلين: (وإبسط سيف نقمتك على أعدائك المعاندين). هنا نلاحظ أن هذه العبارة فيها طلب بسط سيف نقمته على المعاندين من أعدائه في حين أن العبارة السابقة تطلب المبادرة لكسر شوكة الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، والذي نستفيده هو درس توحيدي في الرحمة الإلهية، حيث أن شمولية سيف النقمة الإلهية العادلة لا تتوجه سوى الى المعاندين من أعداء الله عزوجل أي الذين إنتهت كل فرص الإمهال الإلهي لهم ولم يبق أي أمل من إحتمال أن يرتدعوا عن ظلمهم لعبادالله ومعاداتهم لله عزوجل، فلا خيار سوى إنزال القصاص الماحق لهم حفظاً لحقوق المظلومين.
أما سائر الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فالمطلوب هو دفع خطرهم عن الوجود الايماني ومبادرتهم بالضربة الوقائية لكسر شوكتهم وبالتالي ردعهم عن طغيانهم.
أيها الأخوة والأخوات، ويعلمنا هذا الدعاء المهدوي أن ندعو ربنا الجليل قائلين: (وخذ بالثار إنك جوادٌ مكار)؛ فما الذي نستفيده من ذلك؟
معنى أخذ الثار هو القصاص للظالمين من ظالميهم، وقد صرحت عدة من الأحاديث الشريفة أن من شعار الثورة المهدوية الكبرى هو الأخذ بثارات سيد الشهداء (صلوات الله عليه).
وقد صرح العلماء بأن المقصود بذلك هو الأخذ بالثأر لجميع أشكال المظلوميات التي عرفها التأريخ الإنساني والقصاص من القتلة الذين ماتوا دون أن يقتص منهم، وهذا من الأدلة التي إستند إليها علماء الكلام كأحد الأدلة الكلامية في إثبات الرجعة وأحياء بعض طوائف الناس بعد ظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) للقصاص منهم تطبيقاً لقوانين العدل الإلهي الشامل والكامل.
والملفت للإنتباه هنا هو أن هذا الدعاء الشريف يختتم بأسمين عن أسماء الله تبارك وتعالى يجمعان الجمال والجلال الإلهيين وهما الجواد والمكار، ففي الوصف الأول نستمطر سحائب الرحمة الإلهية والكرم والجود الرباني لإنعاش المظلومين بإحقاق حقوقهم ورد مظلومياتهم وإشفاء صدورهم من الغيظ على الظالمين، وفي الوصف الثاني، نستمطر سحائب المكر الإلهي بالظالمين والمكر الإلهي هو من جهة عين العدل وباطنه الرحمة وإن كان ظاهره العذاب، لا ظلم فيه لأنه يعني إغفال الظالمين لدفع طغيانهم وإزهاق باطلهم للحيلولة دون إرتكابهم للمزيد من الجرائم التي تزيد من عذابهم الأخروي أجارنا الله وإياكم منه.
مستمعينا الأفاضل في الحلقة المقبلة ستكون لنا وقفة سريعة عند كامل الدعاء الذي أمرنا مولانا الإمام المهدي (عليه السلام) بتلاوته في القنوت نستلهم فيها بأذن الله مضامينها الرئيسة.
نشكر لكم طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.